المتأهبون لعصر بوتين الخامس

03:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

بالمنطق الحسابي ما زال الوقت مبكراً للحديث عن مستقبل روسيا بعد انتهاء حكم رئيسها القوي فلاديمير بوتين، الذي بدأ عامه الثاني من ولايته الأخيرة ومدتها ست سنوات. ومع ذلك فإن قضية «روسيا ما بعد بوتين» أصبحت تفرض نفسها للنقاش، سواء على مستوى الشارع الروسي، أو بين النخبة الحاكمة، أو المعارضة السياسية، وبالطبع في أوساط صناعة القرار في الغرب.
ويبدو هذا الاهتمام طبيعياً على ضوء حقائق، منها أن تلك هي الولاية الأخيرة للقيصر الحديدي الذي غيّر وجه روسيا خلال العقدين الأخيرين. كما أن روسيا قوة عظمى وخصم تقليدي وتاريخي للولايات المتحدة، ومن البديهي أن يهتم الغرب بما يجري فيها وبمن سيتولى قيادتها. وفوق ذلك فإن الاهتمام بمصيرها سواء من جانب مواطنيها أو الغرب يتضاعف، بالنظر إلى أن الزعيم الذي يجري الحديث عنه هو بوتين وليس أي شخص آخر. وبقدر ما يعشقه الملايين من الروس، بقدر ما يهاجمه الغرب ويمقته ويعتبره خصماً عنيداً، إن لم يكن عدواً لدوداً، لاسيما بعد أزمة أوكرانيا.
بوتين في نظر مؤيديه هو المنقذ الذي انتشل روسيا من هوة الضياع، بعد أن كادت تغرق في الفوضى السياسية والأمنية، وبعد أن شارفت على الانهيار الاقتصادي في التسعينات. أصبح بوتين بطلاً أسطورياً بعد أن أعاد الأمن والاستقرار، ورفع مستوى المعيشة، وأعاد بناء الاقتصاد، وحافظ على مؤسسات الدولة من الانهيار.
أحد الإنجازات التاريخية التي تحسب له وتتجاوز كل ذلك هو أنه أعاد دور روسيا كقوة عالمية، وتصدى لغطرسة الغرب. ويعتبر الروس أنه من استرد كرامة بلدهم المستباحة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وضمّد جرحها القومي النازف، وعالج كبرياءها الوطني الجريح. لا غرابة بعد ذلك أن يطلق الروس على سنوات حكمه المكونة من أربع ولايات «عصر بوتين»، وهو معنى يماثل في مخيلتهم شيئاً أقرب إلى عصر النهضة في تاريخ الغرب.
لا يعني ذلك أن بوتين بلا أعداء ولا منتقدين، فهناك معارضة قوية له في الداخل، وشعارها دائماً هو «روسيا بلا بوتين»، أي أنها ستكون أفضل بدونه. وما يقلق هذه المعارضة حالياً ليس رحيله ولا سبل ضمان انتقال سلس للسلطة، فلديهم هاجس أكبر هو أن يبقى. وهذا الاحتمال مطروح بالفعل للنقاش العلني في روسيا؛ حيث يتحدثون عن تعديلات دستورية مقترحة لضمان استمراره بصورة ما.
الغرب أيضاً لديه اهتمام بمستقبل روسيا لا يقل عن اهتمام مواطنيها. ولا تعتبر الدوائر السياسية الغربية أن الوقت مبكر لبحث الأمر؛ لأن المسألة قد تكون معقدة وتحتاج إلى ترتيبات تستغرق فترة طويلة. وفي إطار هذه المناقشات طرحت مجلة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية ثلاثة سيناريوهات تتداولها النخب الروسية حالياً بشأن إيجاد مخرج لبوتين للاستمرار في الحكم.
السيناريو الأول، هو تشكيل دولة جديدة بإقامة اتحاد بين روسيا وحليفتها الوثيقة بيلاروسيا. ويكفل ذلك خلق كيان سياسي جديد، ومن ثم هيكل جديد للحكم يصبح فيه بوتين هو القائد المسيطر، وبالتالي يتم الالتفاف على عقبة استمراره لفترة رئاسية أخرى بلا تعديل دستوري؛ لأنه في هذه الحالة لن يحكم روسيا، بل دولة جديدة تشكل روسيا أحد مكوناتها.
السيناريو الثاني، هو توسيع صلاحيات وسلطات مجلس الدولة، وهو هيئة استشارية للكرملين. وبتعديل الدستور يتم منحه سلطات واسعة، وتنصيب بوتين رئيساً له.
السيناريو الثالث، هو تحويل روسيا إلى جمهورية برلمانية، ويصبح بوتين رئيساً شرفياً ورمزياً لها.
الشيء الوحيد المؤكد، وسط تلك الاحتمالات كلها، هو أنه سيكون لبوتين دور في مستقبل روسيا إذا امتد به العمر لما بعد انتهاء ولايته في 2024. هذه الحقيقية لخصتها الباحثة الروسية أوليجا كريشتانوفسكايا، مديرة مركز بحثي يحمل نفس الاسم في موسكو. وهي تعتبر أنه لا محل للسؤال عن مصدر السلطة والنفوذ والقوة في روسيا، فيكفي أن يعرف المرء أين يوجد بوتين ليكتشف مكان هذه الأشياء جميعاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"