عواقب التقسيم اللغوي

03:40 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد اللطيف الزبيدي

هل يمكن أن ينصرف الذهن إلى أن تشتيت الطاقات اللغويّة هو الآخر مؤامرة؟ انطلاقاً من أن العربية في خطر، يجب العكوف على القضية الأهم: العرب في خطر، وجودهم، حاضرهم ومستقبلهم، دورهم في العالم.
الغريب أن معضلة لغتنا سياسية. ثبت لنا أن التطرف في استخدام العروبة كقوميّة وحيدة للعالم العربي، أدّى إلى التفكك، حين استجدّت ظروف جيوسياسيّة مختلفة، وكان زرع «إسرائيل» وحمايتها من قبل دول الغرب، في قلب التحوّلات السلبيّة العربية. ظهرت النزعات الانفصالية المتدحرجة من المطالبة بالحكم الذاتي إلى الاستقلال الطلاقيّ.
العربية سارت في الاتجاه التقسيميّ. سنة 1934 توشّح العرب بافتتاح «مجمع اللغة العربية» في القاهرة، وكان من بين أفذاذ لغوييه الألماني والإيطالي والفرنسي. كان شروق شمس لغوية لم يعرف تاريخ العربية له نظيراً. على طريقة الفلك، انفجرت الشمس وانفصلت عنها كواكب شتى صارت ثلاثة عشر مجمعاً لغوياً للسان الواحد، بالرغم من أنها إلاّ أقل القليل لا تملك الميزانيات الضروريّة للعمل الجادّ المنتظم. عملها بحثي غير منتج الإنتاج الذي يستطيع تمويل نفسه بنفسه.
لنا أن نسأل تلك المجامع التي تحمل أمانة لغة واحدة، عن الثمار التي جنتها طوال عقود، أين هي وما مردودها وعائداتها على اللسان العربي وتطويره، وفرض وجوده بين لغات العالم الحديث؟ بداهة، ليست المجامع أندية كرة قدم، حتى يكون لها اتحاد، ولا هي إذاعات أو فضائيات تمثل بلدانها.
العربية واحدة ولا يملكها أيّ بلد بمفرده، فما معنى تشتيت الجهود؟ التشتت هيّن إذا قيس على انعدام الأدوار الابتكارية والإبداعية، التي تضطلع بها المجامع اللغويّة، ومنها تعريب المصطلحات في العلوم البحتة والتطبيقيّة والإنسانية. ثمّة وقت ضائع يورث مشكلات لا تحصى.
في كل يوم تولد مئات المصطلحات في جميع الميادين، فبدلاً من معالجتها من قبل مجمع عربيّ واحد، تتراكم لدى المجامع التي لا تملك طاقة المجموع، في نهاية المطاف تكثر الاجتهادات في الشيء الواحد. إضاعة الوقت وقلة الجهود يؤدّيان كما أديّا أحياناً إلى اضطلاع مترجمي وكالات الأنباء بمهمّة التعريب، أو نشر المصطلحات كما هي، في وسائط الإعلام وتداولها وهيهات. ما فائدتنا من التعدديّة: الجوّال، النقال، المتحرك، الخلوي؟ والمروحيّة الحوّامة، الطوّافة، العمودية، السمتية؟ هذه قضية سياسية أم لغوية عاديّة؟ المهم ألاّ نتوهم أننا نثري لغتنا. إذا انصرف ذهنك إلى أنها مؤامرة تقسيمية، أو نظيرتها انطلقت قبل عشرات السنين، فسوء ظنك حلال بلال.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: على العرب اختيار الأقدر على احتضان المشروع بأسره، وتوكلوا على الله. نحن نعرف من المقتدر، وهم يعرفون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"