الغنوشي في أنقرة

04:42 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

هل حسب رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي الذي أصبح رئيساً لبرلمان بلاده، توقيت الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى تركيا لملاقاة رئيسها رجب طيب أردوغان، في نفس اليوم الذي صوّت فيه النواب «التوانسة» بغالبية كبيرة على عدم منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي التي كان الغنوشي وحزبه طرفاً رئيسياً في هندستها واختيار أعضائها؟
والقصد بالحساب هنا هو مدى إدراك ما ستثيره هذه الزيارة المريبة في توقيتها من أسئلة لدى الرأي العام والأوساط السياسية في تونس، ولدى المراقبين في الخارج.
أليس الأحرى برئيس البرلمان وزعيم الحزب الذي يملك أكبر كتلة في هذا البرلمان، أن يبقى في بلاده للتشاور مع الفرقاء المختلفين حول الخطوة التالية بعد فشله في تسويق «حكومته»، ومتابعة الشأن الداخلي التونسي مع الشركاء الآخرين في البرلمان وفي مجمل العملية السياسية في تونس، بدل أن يشدّ الرحال نحو بلد تثير سياسة زعيمه الكثير من علامات الاستفهام والرفض على المستوى الإقليمي، بما في ذلك سياسته في البلد الأقرب جغرافياً إلى تونس، أي ليبيا، التي دفع أردوغان بقواته نحوها لصب المزيد من الزيت على أوار النزاع الدائر هناك؟
المرجح أن مثل هذه الأسئلة لا يمكن أن تغيب على رجل مثل الغنوشي، ولكنه أوصل، من حيث أراد أم لم يرد، أسوأ رسالة يمكن لزعيم سياسي في تونس أن يوصلها في مثل هذا الظرف، وفحواها أنه معني بالتشاور وأخذ النصيحة من الأتراك المعنيين بمصالحهم وبحساباتهم الإقليمية، أكثر مما هو معني بالتشاور مع أطراف العمل السياسي والبرلماني في وطنه.
حين وجدت «النهضة» وزعيمها أنهما في وضع حرج أمام حجم الاستهجان الكبير في الداخل التونسي من هذه الزيارة، تخبطت في اختراع الذرائع. وفي هذا جاء قول المسؤول في مكتب الإعلام في الحركة، بأن الغنوشي ذهب إلى تركيا «بصفته الشخصيّة وباسم الحزب وبناء على موعد سابق».
هل نسي المسؤول الإعلامي النهضوي أن الغنوشي هو اليوم رئيس البرلمان التونسي، وليس فقط زعيم حركة النهضة، وبالنظر إلى دقة التوقيت الذي جاءت فيه الزيارة فإن الحديث عن «صفة شخصية» أو «صفة حزبية» للغنوشي أمر لن يأخذه أحد على محمل الجد.
ما سيؤخذ على محمل الجد بصورة أكبر وأوثق هو تأكيدات ساسة توانسة كثر من أن الاجتماع المغلق بقصر دولمة في تركيا بين الغنوشي وأردوغان يشير إلى أن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا، ومطالبتهم بإطلاع مؤسسات الدولة التونسية على ما دار في هذا اللقاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"