الإرهاب في الساحل والصحراء

03:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد خليفة

اختتمت القمة السداسية الفرنسية الإفريقية «دول الساحل الإفريقي» الأسبوع الماضي في مدينة «بو» الواقعة جنوبي فرنسا، بحضور الرئيس ماكرون، وقادة دول الساحل الخمس: موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد وبوركينا فاسو، أسفرت عن بيان مشترك تضمن الاتفاق على تعزيز التعاون العسكري بين فرنسا ودول الساحل الخمس، ولكن الأهم بالنسبة إلى فرنسا هو أنها حصلت على موقف واضح من قادة دول الساحل بخصوص الوجود العسكري الفرنسي لمحاربة الإرهاب.
ويأتي انعقاد هذه القمة بعد تصاعد التطرف والإرهاب في دول منطقة الساحل والصحراء، رغم كل الجهود الدولية الرامية إلى القضاء عليه، ومما زاد من خطورة الموقف مقتل ثلاثة عشر عسكرياً فرنسياً في تحطم مروحيتين خلال عملية ضد المتطرفين في مالي.
ورغم أن فرنسا لم تكن مستهدفة بشكل مباشر من قبل المتطرفين في منطقة الساحل والصحراء في إفريقيا، لكن تأثر مصالحها، خاصة الاقتصادية، في تلك الدول، جعلها تسارع للمساعدة بإرسال قوات فرنسية لتكون شريكة مع قوات هذه الدول في القضاء على الإرهاب. وقد جاء التدخل العسكري الفرنسي في مالي بعد أن نجح المتطرفون، خلال الأعوام القليلة الماضية، في السيطرة على مناطق واسعة في شمال مالي، فبادر الرئيس المالي إلى طلب المساعدة مباشرة من فرنسا، التي لبّت وأرسلت قوات عسكرية ضمن عملية أطلق عليها اسم «السنّور»، ونجحت تلك العملية في استعادة كل المدن والمناطق التي سقطت في يد المتطرفين، وأعقب تلك العملية بأخرى أطلق عليها اسم «برخان» المشتق من شكل هلال الكثبان الرملية في الصحراء. وقد تم تنسيق تلك العملية مع خمسة بلدان تمتد على الساحل، وفي الصحراء الكبرى، هي: بوركينا فاسو، تشاد، مالي، موريتانيا والنيجر.
وتعد منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، محط أنظار الدول الكبرى نظراً لما تتمتع به من موقع استراتيجي، إضافة إلى مواردها الغنية، ويُعدّ استقرارها الأمني نقطة مفصلية لاستقرار عدد من الدول الأخرى. خاصة أن هذه الدول منبع الهجرات التي تفرّ إلى جنوب القارة الأوروبية.
وتشكل هذه المنطقة واحدة من أهم بؤر الإرهاب في إفريقيا، إذ ينشط فيها إرهابيو تنظيمي «القاعدة»، و«داعش»، و«بوكو حرام»، مستغلين حالة التردي الأمني، ومستفيدين من إمكانية التنقل بحُرية وسهولة بين بلدانها. وقد أسهم الفراغ الأمني في ليبيا في تنامي وتيرة الإرهاب في إفريقيا، فازداد حجم التنظيمات الإرهابية، وازدادت قوتها، فاندفعت للتخريب في الدول المجاورة، ولقيت دول شمال إفريقيا الكثير من المصائب، لكن نجاح هذه الدول في ردع المتطرفين جعل هؤلاء يركزون على الدول الضعيفة في منطقة الصحراء تحديداً، مثل تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهذه الدول، في أساسها، تشهد انقسامات عرقية بين العرب والأفارقة. وقد أخذت المواجهة المفتوحة ضد التنظيمات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء، منعطفاً خطِراً بعد دخول تنظيم «داعش» إلى ساحة الصراع، منذ العام الماضي، حينما أعلن زعيمه المقتول أبوبكر البغدادي، مباركة وجود عناصره في تلك المنطقة، وتأسيس ولاية غرب ووسط إفريقيا، ومنذ ذلك التوقيت، كثفت عناصر التنظيم المسلح وجودها من خلال شن عمليات إرهابية ضد المدنيين والعسكريين في تلك المنطقة. وقد نجح «داعش» في الوصول إلى مناطق ظلت محتكرة من طرف جماعة «بوكو حرام». ما يوحي بأن «داعش» قد يخلف تلك الجماعة في نيجيريا، والدول المجاورة.
ولا يزال الوضع الأمني في الساحل والصحراء متفاقماً، ولا تزال عملية «برخان» بالتعاون مع القوة الإفريقية المشتركة، عاجزة عن منع تصاعد الهجمات الإرهابية المسلحة، وفي هذا الإطار فقد حذرت مساعدة الأمين العام لشؤون إفريقيا بإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، بينتو كيتا، «من خطورة الوضع الأمني في تلك المنطقة»، ورسمت صورة قاتمة لتدهور الوضع هناك.
وإزاء هذا الوضع الخطِر الذي يكتنف أجزاء واسعة من إفريقيا، فإن العالم بات مطالباً بتحرك واسع لمنع توغل تلك التنظيمات، ما يؤذن بتفكك العديد من الدول، وسيطرة التنظيمات الإرهابية المتطرفة على الحكم في تلك الدول التي تعاني الفقر والجهل والمرض، وهي عوامل جديرة بتصاعد تلك التنظيمات، وسهولة تجنيد العديد من الأتباع في تلك المناطق، ما ينذر بتفاقم كرة النار حتى تأكل الأخضر واليابس في تلك القارة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"