في اليوم العالمي للمسرح

01:24 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

قبل أيام مرّ يوم الشعر العالمي. لم نتذكره كما نتذكره كل عام بسبب ما نحن عليه اليوم من أحوال. ما من أمسيات شعرية أقيمت، وحتى المقالات حوله كانت قليلة وربما نادرة، لكننا أمة الشعر، سواء احتفلنا بيومه أم لم نحتفل، فالشعر يسري في حياتنا، ويسكن منا الأفئدة.
اليوم، السابع والعشرون من مارس/ آذار يوم عالمي آخر لجنس إبداعي مهم، هو المسرح، ولن نستطيع أيضاً الاحتفاء به كما يجدر، ولكن الوقوف عنده ضروري. إذا كنا في الأصل أمة شعر، فإننا لم نكن أمة مسرح. كان على رواد شجعان من بني جلدتنا أن يشقّوا الطريق الصعب كي يُعرّفونا بهذا الفن، وكان عليهم أن يكابدوا الكثير من أجل تشييد دعائم له.
عرف مارون النقاش المسرح فترة عيشه في إيطاليا، وأتى به إلى لبنان، لكنه مات محسوراً لأن جهوده في التأسيس لم تنل ما تستحقه من الاهتمام، لكنه لم يدر، أنه كان «قد وضع غرسة مباركة في أرض طيبة»، كما قال د. علي الراعي.
الأذى الأكبر لحق برائد عربي آخر للمسرح، من الشام هذه المرة. هو أبوخليل القباني. أحد المشايخ المتزمتين قصد الأستانة ليستصدر من الخليفة العثماني أمراً بإغلاق مسرح القباني زاعماً «أنه نشر الفسق في الشام»، وتحت تأثير حملة من التحريض الأهوج على القباني، أُخرج الصبيان إلى الشوارع ليجروا وراء القباني وهم يهتفون: «أبوخليل مين قالك/ على الكوميديا من دلّك/ ارجع لكارك أحسن لك/ ارجع لكارك قباني».
إرادة أبي خليل لم تهُن، ولم يضعف أمام مناهضيه. هاجر إلى مصر، كما فعل الكثيرون من أبناء الشام الموهوبين في الأدب والصحافة والموسيقى، فوجد فيها ما كانت فكرته في تأسيس المسرح تحتاج إليه من احتضان من الناس الذين كانوا مهيّئين لتقبّل الجديد، يوم كانت مصر تعيش إرهاصات النهضة والتحوّل نحو المستقبل على غير صعيد، وكانت التربة مهيّأة لبذر الزرع.
لا أحد يتذكر اليوم اسم الشخص المتزمت الذي قصد الأستانة ليستصدر من الخليفة فرماناً بإغلاق مسرح القباني في الشام، فيما يظل اسم أبي خليل القباني حاضراً عابراً للأزمان، مثله مثل اسم مارون النقّاش وأسماء رواد آخرين للمسرح، كتّاباً ومخرجين وممثلين، وعلى أيدي هؤلاء وكثيرين سواهم أصبحت لدينا اليوم حركة مسرحية عربية، قيّض الله لها حاكماً متنوراً، ورجل ثقافة ومسرح مرموقاً يهبها كل الرعاية والاهتمام والدعم هو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حفظه الله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"