باختصار النظام السياسي الفلسطيني يعاني أزمة بنيوية شاملة ومركبة وممتدة، تتراوح بين ضعف البنية المؤسساتية وغلبة الظاهرة الشخصانية الفردانية وهي ظاهرة متجذرة تاريخياً. في البداية أخذت شكل الشخصانية العائلية الفردانية، ثم الفردانية الحزبية، وظاهرة الشيخوخة السياسية، وما زالت هذه الظاهرة طاغية في الثقافة السياسية الفلسطينية، ويعبر عنها بالثقافة الأبوية، واختزال السلطة في يد شخص واحد.
فلم تجر الانتخابات للمجلس الوطني منذ أكثر من ربع قرن، وعلى مستوى المجلس التشريعي منذ أكثر من عشر سنوات، والشيء نفسه على مستوى الرئاسة، وهو ما يعني تباعد فجوة التواصل بين الأجيال، وتداول السلطة ودورانها بين النخب المتعددة. وتمتد الظاهرة ذاتها على مستوى التنظيمات السياسية الفلسطينية، والاتحادات والنقابات المهنية.
ومن الأزمات التي يعانيها النظام السياسي عدم القدرة على التكيف مع التحولات والمستجدات. فعلى المستوى الداخلي لحقت ببيئة النظام الكثير من التحولات والتطورات، منها على سبيل المثال بروز دور الحركات والقوى الإسلامية كحماس التي فازت في انتخابات عام 2006، وكانت النتيجة مزدوجة أن بنية النظام السياسي الفلسطيني لم تستطع احتواء أو التكيف مع فوز حماس، واستيعابها، وما زاد الأمور تعقيداً محاولة حماس استبدال النظام السياسي القائم بنظام آخر، وكانت النتيجة الحتمية الانقلاب على النظام نفسه، والاستقلالية بغزة. مما جعلنا أمام نظام سياسي ببنية مزدوجة متناقضة وأحياناً متصارعة. أما في البعد الخارجي لهذه الأزمة فإن التحولات الإقليمية والدولية كانت أكبر من قدرة النظام الفلسطيني على التكيف معها ما جعله متغيراً تابعاً يرتهن مستقبله واستمراره بالارتباط بأحد هذه المحاور الإقليمية والدولية، مما أفقده هويته الفلسطينية.
ومن الأزمات الأخرى، ما يعرف بالقدرة الرمزية، والتي تعني أن لكل تنظيم خطابه وثقافته، وشعاراته السياسية، ولكل تعبيراته السياسية التي تصل إلى حد التصادم والإلغاء، ومن مظاهر ذلك الإعلام، والمسيرات العسكرية، والمسيرات الشعبية. هذه بعض من الأزمات التي تقف وراء التراجع الفلسطيني، والتي تفسر لنا استمرار الاحتلال «الإسرائيلي» الذي وجد بيئة فلسطينية خصبة تساعد على ذلك.
د. ناجي صادق شراب
[email protected]