بين زمنين أدبيين

04:27 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن

ترى الشاعرة الكويتية سعدية المفرح، وفي رأيها وجاهة، أن شاعراً بالوزن الشعري والتنويري للشاعر الكويتي فهد العسكر لو ولد ونشأ وكتب في بيئة مجتمعية وثقافية غير بيئة الكويت والخليج العربي عامة في العقود الأولى من القرن الماضي، لكان له شأن وصيت لا يقلان عما ناله مجايلوه من التنوريين العرب في مصر وبلاد الشام، فهو في شعره ومجمل إنتاجه ومواقفه لا يقل أهمية عنهم، لكنه لم يلق البيئة الحاضنة التي توفرت لهم في مجتمعات أكثر تطوراً ونضجاً ثقافياً واجتماعياً.
مفيد جداً هنا التذكير بأن الكثير من إنتاج فهد العسكر الشعري حرق بعد وفاته، وأنه في حياته واجه حملة ظالمة من القوى المحافظة في المجتمع، لما انطوت عليه أشعاره ومواقفه من جرأة ومضمون تقدمي تنويري، ولولا الجهود التي بذلها مثقفون ومؤرخون كويتيون لتوثيق ما أمكن من نتاج الشاعر، لكان التاريخ الثقافي والإبداعي في الكويت والمنطقة الخليجية عامة فقد الكثير.
كما أن الكويت، في بادرة وفاء لذكرى الرجل، أنتجت في العام 1979 مسلسلاً تكوّن من ثلاثية، قدّم مسلسلاً باللغة العربية الفصحى عن العسكر، أعدّه وكتب حواره مصطفى بهجت، وأخرجه كاظم القلاف، وكان للمسلسل الذي مثل فيه فنانو الكويت الكبار دوره في تخليد ذكرى الشاعر.
كلام سعدية المفرح جاء في إطار الحديث عن أن النهضة الأدبية والإبداعية التي نراها في البلدان الخليجية اليوم ليست بعيدة الصلة عن التراث الأدبي السابق لها، وأن هذه النهضة ما كانت لتتم لولا ما سبقها من إبداعات أجيال سابقة، حفرت في الصخر وكابدت العناء من أجل أن تشق للحداثة والإبداع دروباً في مجتمعاتنا.
في السنوات الأخيرة بلغت روايات لكتاب خليجيين شبان مراكز متقدمة في الجوائز الأدبية العربية والأجنبية، ونال بعض هؤلاء هذه الجوائز، كالكويتي سعد السنعوسي والسعودي محمد حسن علوان والعمانية جوخة الحارثي. كما يمكن الحديث عن تجارب لافتة في الشعر والمسرح، كتابة وتمثيلاً وإخراجاً، وغير ذلك من مجالات الإبداع.
لأجيال اليوم تيسرت الوسائل والروافع الضرورية لإيصال نتاجاتهم إلى محيط عربي أوسع، وصارت أعمالهم مقروءة في مختلف مناطق العالم العربي مشرقاً ومغرباً، لافتة أنظار أشقائهم العرب إلى ما تختزنه هذه المنطقة من طاقات إبداعية، استندت إلى التراث السابق الذي لم يقدر لأهله من وزن فهد العسكر ومجايليه وربما التالين له أن يتجاوزوا الدائرة المحلية في بلدانهم، بل إنهم حتى في هذه الدائرة نالوا ما نالوا من الأذى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"