شماعة العداء للسامية

03:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

في تصريح له أمام ممثلين للمؤسسات اليهودية في باريس، ندد الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون بما أسماه عودة ظاهرة «معاداة السامية» قائلاً: «إن معاداة السامية تقتل مجدداً في فرنسا منذ سنوات». واعتبر أن «معاداة الصهيونية هي أحد الأشكال الحديثة لمعاداة السامية».
والحقيقة أن تصريحات الرئيس الفرنسي، التي لاقت استحسان المؤسسات اليهودية في فرنسا وغيرها، ولاسيما المؤتمر اليهودي العالمي الذي طالب بتطبيق هذا المفهوم لمعاداة السامية وتحويله قانوناً وضمان تنفيذ ذلك، تطرح جدلاً حول شعار معاداة السامية، حيث إن هذه التصريحات تثير الاستهجان حول مفهوم العداء للسامية الذي كرسته الحركة الصهيونية، كمرجع دولي بعد الحرب العالمية الثانية، ويفتح الباب للتساؤل حول حقيقة وصدقية هذا الشعار، الذي باتت «إسرائيل» والقوى الغربية الداعمة لها تستغله، ليس للدفاع عن «إسرائيل»؛ بل لتبرير جرائمها بحق الشعب العربي الفلسطيني، واعتبار أن كل من يتعرض ل«إسرائيل» أو الحركة الصهيونية معادياً للسامية.
ومع أن تصريحات ماكرون جاءت على خلفية الشتائم التي طالت رموزاً يهودية، كالمفكر الفرنسي آلان فينكيلكروت، والسياسية الراحلة سيمون فيل، التي تعد أحد أبرز الوجوه الحقوقية في العالم وفي فرنسا، وواحدة من رموز الدفاع عن حقوق المرأة، والتي شاركت في قضية جميلة بوحيرد، المناضلة الجزائرية التي سجنت وتعرضت للتعذيب على أيدي سلطات الاحتلال الفرنسية، إذ ساهمت في الإفراج عنها وتأمين الحماية لها في فرنسا. إلا أن هذه التصريحات التي أطلقها ماكرون، اعتبرت من قبل الكثيرين خلطاً في المفاهيم، بل وجهلاً بالتاريخ.
فعلى الرغم من أن عاقلاً، لا يمكن أن يتقبل الإساءة للبشر على خلفية معتقداتهم الدينية، أو التعرض لرموز ناضلت من أجل حقوق الإنسان كالراحلة سيمون فيل، على سبيل المثال، إلا أن من المهم هنا أن نتذكر أن الحركة الصهيونية تواجه رفضاً حتى من الكثير من اليهود أنفسهم، مثل «حركة ناطوري كارتا» المعادية للصهيونية، التي أعلنت في عام 2017 أن أعضاءها قد يغادرون «إسرائيل» نتيجة لإعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب القدس عاصمة ل«إسرائيل». بالإضافة إلى تصريحات الحاخام اليهودي الأمريكي المناهض للصهيونية آرون تيتلباوم آنذاك، وتأكيده بأن «القدس مدينة مقدسة ومدينة تقوى، والصهيونية لا صلة لها بها».
ويدعو هذا الجدل حول مفهوم الصهيونية إلى الانتباه لكون الحركة الصهيونية، التي ظهرت في القرن التاسع عشر ونظّر لها الكاتب المجري-النمساوي تيودور هرتزل، قامت على فكرة إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين، التي أسمتها الحركة ب«أرض إسرائيل».
وفي ذلك اعتداء صارخ وعنصرية بيّنة ضد شعب، لا علاقة له بالمسألة اليهودية التي كانت قائمة في أوروبا في ذلك الوقت، حيث اخترع اليهود فكرة (معاداة السامية)، لتكون سوطاً مسلطاً على كل من يفكر بتوجيه الانتقاد ل«إسرائيل» السامية، علماً بأن كلمة سامية تعود إلى سام بن نوح عليه السلام، وإليه ينسب العرب أيضاً، حسب الكثير من المراجع التاريخية والدينية، وهو ما ترفضه النصوص التوراتية التي تنسب الكنعانيين إلى حام وليس إلى سام بشكل مقصود، بهدف تمييز اليهود بأنهم وحدهم أصحاب هذا النسب دون غيرهم. وبغض النظر عن هذه التفسيرات التاريخية والدينية، التي تثير جدلاً كبيراً، إلاّ أن ما يلاحظ في الغرب مؤخراً، هو أن فكرة العداء للسامية، ومحاولة ربط هذا المصطلح بالعداء للصهيونية، أمرٌ له أهداف سياسية، ترتبط بالتحالف العضوي بين القوى الاستعمارية الغربية و«إسرائيل» التي ترى فيها هذه القوى حامياً أميناً لمصالحها في المنطقة العربية، وأن هذه التصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليست سوى محاولة لكسب ودّ اليهود، الذين يتمتعون بنفوذ كبير ليس في فرنسا وحدها، وإنما في الدول الغربية بشكل عام.
ولا يمكن فهم تصريحات ماكرون، إلاّ بأنها محاولة لضبط ومواجهة الحراك الشعبي الفرنسي، الذي يعد واحداً من تجليات فشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية، المطبقة في الغرب، والتي تتناقض مع ما تسوقه ماكينة الإعلام الغربي، حول الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وأخيراً، لابد من القول إن شماعة العداء للسامية التي يتعلق بها الغرب، لتبرير مواقفه الراعية ل«إسرائيل»، لم تعد مقنعة بعد انكشاف أبعادها السياسية الخطيرة، وأهمها شرعنة كل ما تقوم به «إسرائيل» من جرائم وانتهاكات للقوانين الدولية، واستثمار ذلك من أجل ضمان دعم وتأييد اللوبي اليهودي المتنفذ في الغرب للسياسات الرأسمالية الغربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"