مطالب أكبر من موارد القوة الذاتية

05:59 صباحا
قراءة 4 دقائق

خسر الإخوان المسلمون السلطة في مصر، نتيجة الأخطاء القاتلة التي ارتكبها نظام محمد مرسي، نَزَعَهَا منهم الشعب بثورة 30 يونيو، واصطفَّ الجيش وراء الثورة، مثلما فعل في ثورة 25 يناير 2011 . لقد طويت صفحة، ومن العبث السعي في المستحيل قصد العودة إلى ماقبل 3 يوليو 2013 . ولقد كنا نعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين تملك من الذكاء السياسي ما يعفيها من امتحان الصدام مع الإرادة الشعبية العامة والعارمة، وما يدفعها إلى تخطي صدمة خسارة السلطة بإعادة بناء الذات، وترميم الصورة المشروخة، ومراجعة الخيارات السياسية الكُلاّنية (=التوتاليتارية) التي أوصلتها إلى 3 يوليو! ولكن يبدو أن طعم السلطة، الذي تذوقته منذ عام، أدعى إلى الطلب عند قيادتها من غيره، حتى لو رَكِبَ الطلب الأهوال!

ومن المؤكد - ولكن من المستغرب أيضاً - أنّ ما في حوزة الإخوان من موارد القوة محدود جداً، بحيث لا يسعف تمردها على الدولة والشعب، وأن قيادتها الدينية والسياسية تدرك ذلك، قبل غيرها، وإن هي لم تعمل به، ولم تبني سياستها على مقتضاه؛ فجمهورها السياسي الحركي (المنتسبون إلى الجماعة وحزبها)، وإن كان الأكبر حجماً، والأكثر تنظيماً، مقارنة بأي حزب سياسي مصري آخر، جمهور محدود جداً إن قورن بالجمهور السياسي للقوى المدنية المعارضة لها (جبهة الإنقاذ، حركة تمرد، حركة 6 إبريل، حزب مصر القوية، حزب النور . .) .

وجمهورها الاجتماعي، المحتشد أمام مسجد رابعة العدوية وفي ميدان النهضة، محدود جداً إن قورن بالجمهور الاجتماعي المعارض؛ الذي أسقط سلطة محمد مرسي في ثورة 30 يونيو، وخرج في السادس والعشرين من يوليو مندداً بالعنف والإرهاب، ومفوضاً الجيش بمواجهته، ومؤيداً خريطة الطريق المعلنة في أعقاب الثورة على النظام السابق .

والأزهر والكنيسة القبطية، وتحت سلطانهما المعنوي عشرات الملايين من المصريين، يقفان إلى جانب الشعب والدولة في مواجهة الجماعة وتمردها بعد أن جربا، طويلاً، الحياد في الصراع بين النظام السابق - نظام محمد مرسي - والمعارضة، فتعسَّر عليهما الحياد بعد الثورة، أي بعد أن أصبح صراعاً بين الجماعة وبين الشعب والدولة .

وحلفاء الجماعة السابقون (السلفيون وحزب النور تحديداً) فكّوا الارتباط بها، وانضموا إلى الثورة وخريطة الطريق، ولم يعد يسعها التعويل عليهم، وخاصة بعد أن قذفتهم ألسنة إخوانية، وأخرى من الجماعة الإسلامية من على منبر ساحة رابعة العدوية بلغة التخوين!

وحلفاء الجماعة الأجانب لم يعودوا يستطيعون لها نفعاً بعد أن وقعت الواقعة؛ فالأمريكيون والأتراك، الراعون لنظامهم السابق، توقفوا عن وصف الثورة الشعبية بالانقلاب، وسلّموا بالأمر الواقع على تفاوتٍ بينهم في التسليم، فبات الأمريكيون - بعد الأوروبيين - يلتقون في القاهرة مسؤولي النظام الانتقالي الجديد، ثم ما لبث رجب طيب أردوغان وباراك أوباما أن قطعا الشك باليقين حين بعث كل منهما ببرقية تهنئة، إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور، بمناسبة الذكرى الحادية والستين لثورة 23 يوليو .

لم يبق لمطلب الإخوان بعودة محمد مرسي من مؤيدين في العالم سوى نظام حركة النهضة في تونس، والإعلام الرسمي التركي، والسيد خالد مشعل، وفقيه معروف بالتحريض على الفتنة، ومحطة تلفزيونية عربية واحدة وحيدة!

على ماذا يعول الإخوان في هذه القيامة السياسية التي أحدثوها من أجل حكم قضى؟

إن كانوا يعوّلون على قواهم السلمية الذاتية - وهذا ما نتمناه - فإن قواهم تلك محدودة أمام ما يشبه الإجماع الوطني على السير في المسار الانتقالي الجديد؛ وهي قد تحدث أثراً إعلامياً في الخارج، من طريق مشاهد الاعتصام في رابعة العدوية أو غيرها من الميادين، لكنها لا تستطيع أن تحدث الأثر السياسي الفعال الذي من شأنه أن يضع مطلب العودة إلى العهد السابق موضع التحقيق، أو قل إنها ستكرس فقط خروج الجماعة، وحزبها، عن الإجماع المنعقد في البلاد، اليوم، على خوض المسار الجديد، علماً بأن ثمة في مصر - من خصوم الجماعة - من يتمنى أن تظل خارج هذا الإجماع لمحو دورها السياسي!

أما إن كانوا يعوّلون على العنف سبيلاً إلى تحقيق مبتغاهم - وهذا ما لا نتمناه - فإنهم يحكمون على أنفسهم بنهاية دراماتيكية، ليس فقط لأنهم سيبرّرون اللجوء إلى العنف ضدهم، لتطبيق القانون، بل لأنهم سيخسرون الكثير الكثير من رصيدهم لدى شعب مسالم مثل الشعب المصري؛ الذي نزل بالملايين - في 26 يوليو - يندد بالعنف والإرهاب . هذا إلى أن لجوء الجماعة إلى العنف المباشر، أو إلى توسل الجماعات المسلحة في سيناء، مما يرغب فيه كثير من خصومها - الذين ينتظرون إقامة الحجة عليها بذلك - قصد إلحاق الضربة القاضية بها .

الوقت وقت التفكير الرصين، والحساب الدقيق للمخاطر، لا وقت المكابرة . والأمل في أن يُفْلِحَ العقلاء من الجماعة في كبح جماح المحرِّضة فيها: من الذين يأخذونها - ومصر معها - إلى المجهول .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"