دروس للعرب من إفريقيا

03:38 صباحا
قراءة 4 دقائق

في مطلع القرن الفائت كنا نتطلع إلى الغرب وإلى أوروبا كمقتدى للشرق، كما قال الشهيد عبد الحميد الزهراوي عندما افتتح المؤتمر العربي الأول في باريس العام 1913 . خلال تلك الفترة كان السؤال الذي يؤرق الاذهان العربية هو: لماذا تقدم الغرب وتخلّف العرب؟ في مطلع هذا القرن كنا نتساءل بأسى: لماذا استمررنا على تخلفنا ولم تظهر في بلادنا نمور تنموية تشبه تلك التي ظهرت في آسيا وأمريكا اللاتينية اليوم بات من المناسب أن نسأل: لماذا تقدم الجميع ولم يبق من متمسك بالتخلف وحريص عليه إلا الأقطار العربية؟

لقد شهدنا مجتمعات كثيرة تتحول إلى مجتمعات صناعية خلال ما يقارب الجيل من السكان . هذا الأمر ينطبق على الكثير من المجتمعات الآسيوية، إلا أن السرعة التي تمر بها التحولات الإفريقية، تبدو خاطفة ومحيرة إلى أبعد حدود، ففي العام 2009 توصل معدو سجل الدول الفاشلة السنوي إلى أن هناك 10 دول إفريقية، على الأقل، تعيش على شفير الدولة الفاشلة . ولكن في الوقت نفسه، وبينما كانت هذه الدول تعاني ذلك الحال الكئيب، لاحظت مجلة الأتلانتيك (25-2-2012)، أن ست دول من أصل الدول العشر الأسرع نمواً في العالم موجودة في جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى . وبين الدول الإفريقية، اعتبرت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية (28-06-2012) أن جنوب إفريقيا ونيجيريا هما من الدول المرشحة للاضطلاع بدور قاطرات النمو السريع في العالم خلال العقود المقبلة .

ولكن من المستطاع القول إن الدول الصاعدة لا الفاشلة هي التي تمثل وجه إفريقيا اليوم إنّ قصص النجاح التي تشهدها القارة الافريقية اليوم لم تأت من فراغ ، بل تكونت في خضم الآلام والآمال والنضالات التي خاضها الافارقة ضد العنصرية والاستبداد والتجزئة . كان العنصريون البيض يشكلون اقليات حاكمة في شتى دول إفريقيا . وهذه الأقليات البيضاء كانت تسخّر الاقتصاد لمصالحها، ولم تكن تعبأ بمصير الملايين من الأفارقة، ولم تكن ترى أنهم يستحقون المعيشة المرفهة، ولا أنهم قادرون على توليد الثروات المحدودة أو الطائلة .

لقد أخذ الأفارقة في الخروج من هذا الحال جنباً إلى جنب مع تصعيد النضال ضد العنصرية . خلال الثمانينات بدأ نظام الأبارتايد يتصدع ليس فقط تحت وطأة النضالات المسلحة والسلمية التي قام بها الأفارقة، ولكن أيضاً بضغط من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أخذت تشهدها القارة . ففي إفريقيا الجنوبية لعب انتشار التعليم دوراً مهماً في يقظة إفريقيا، أاصبح عدد الطلاب الأفارقة في الجامعات يفوق عدد الطلاب البيض . وكذلك توسعت الطبقة المتوسطة بين الأفارقة وازداد تأثيرها، وشكلت حلقة مهمة للتواصل مع الرأي العام العالمي والمنظمات المناهضة للأبارتايد . وأسهمت هذه المتغيرات في تغيير موازين الصراع بين مؤيدي الأبارتايد ومعارضيه لمصلحة الأخيرين، ما أدى إلى انهيار نظام الأبارتايد في إفريقيا الجنوبية خاصة بعد الانتخابات العامة التي شارك فيها البيض والأفارقة العام 1994 . أسهم انتقال السلطة من يد العنصريين البيض إلى يد الأفارقة، وفي فتح الطريق أمام تغييرات كثيرة شملت القوانين التي كانت تحرم الأفارقة من ممارسة مهن كانت محرمة عليهم، ومن الإفادة من فرص التقدم والإسهام النشيط في بناء اقتصاد إفريقيا ومؤسساتها السياسية والثقافية والاجتماعية .

وأسهمت التحولات الديمقراطية بدورها في تحسّن الأوضاع المعيشية في إفريقيا . ففي نهاية الثمانينات كان عدد الدول التي تلتزم، ولو شكلاً، بالنظام الديمقراطي لا يزيد على ثلاثة من أصل 53 دولة . أما اليوم فقد وصل عدد هذه الدول إلى 25 دولة . إن العديد من هذه الدول يطبق النظام الديمقراطي بأسلوب مملوء بالهفوات والسقطات، كما لاحظ المراقبون خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في كينيا، ولاتزال القارة الإفريقية تشهد انقلابات عسكرية بين الحين والآخر، كما حدث قبل أيام في جمهورية إفريقيا الوسطى . ولكن شعوب إفريقيا تنتفض ضد الانقلابيين وضد مزوري الانتخابات، كما أن الاتحاد الإفريقي يقاوم هذا الاتجاه ويتدخل أحياناً لإحباط الانقلابات العسكرية ولإعادة الحكومات المنتخبة إلى الحكم ما يساعد في أكثر الأحوال على تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي .

وكما أسهم انهزام العنصرية والإصلاح الديمقراطي في إفريقيا في صعود القارة، فإن اتجاه دولها إلى المزيد من التعاون في إطار الاتحاد الإفريقي، أسهم في فتح الطريق أمام التنمية السريعة . لقد كان من مظاهر هذا التعاون ومن محفزاته سهولة التنقل بين الدول الإفريقية، فخلال العام 2001 عندما سافر الرحالة والكاتب بول تيرو من أقصى شمالي القارة إلى أقصى جنوبها، تعرض إلى شتى أنواع المضايقات وكان أخطرها حادث إطلاق النار عليه الذي نجا منه بأعجوبة، خلافاً لهذه الصورة فقد اجتاز مراسلو مجلة الإيكونومست آلاف الأميال في القارة بسهولة وعبر طرقات سريعة وشاهدوا مظاهر عديدة للتكامل والاندماج في الاقتصاد والمواصلات والأنشطة الإدارية الإفريقية، كما لمسوا آثارها الإيجابية على أوضاع الافارقة المعيشية . (2-3-2013)

بينما تتقدم القارة الإفريقية على طريق الديمقراطية والتنمية والتكامل، تتقهقر المنطقة العربية وتتراجع على هذه الصعد . ما خسرته العنصرية في إفريقيا فإنها تعوضه عندنا في المنطقة العربية . فالنظام العنصري في إسرائيل يزداد قوة ورسوخاً وعدوانية . هذا لا يحصل داخل الأراضي المحتلة فحسب، ولكنه يحصل على نطاق المنطقة العربية ككل . لقد أسس العنصريون البيض في جنوب إفريقيا 10 باندوستانات حبسوا فيها الأفارقة وقيدوا حركتهم فيها وعبرها . وما يسعى إليه الإسرائيليون اليوم هو تحويل المنطقة إلى منطقتين: واحدة تعمل مثل القلب في الجسم وهي تتكون من متروبوليتان إسرائيلي/صهيوني يتوسع باستمرار على حساب فلسطين ودول الجوار، وأخرى تعمل مثل الأطراف وتتكون من 22 باندوستانَ عربياً تعمل في خدمة الإسرائيليين وتشكل مدى حيوياً لمشاريعهم الاستيطانية والتوسعية .

يقول الكثيرون من زعماء آسيا وإفريقيا المتألقين في تاريخ الإنسانية وتواريخ بلادهم، انهم تعلموا الكثير من الدروس من العرب ومن سير نضالهم ضد الاستعمار والتخلف والتعصب والجهل . بالمقابل فإننا نستطيع أن نتعلم الكثير من الاصدقاء في القارة الإفريقية ومن التجارب الناجحة التي حققوها، ومن أهمها نجاحهم في إلحاق هزيمة تاريخية بالعنصرية، فهل نستطيع أن نلحق الهزيمة بآخر معقل للعنصرية في المجتمع المعاصر؟ هل نستطيع إنقاذ الإنسانية من أضرار الصهيونية وآثامها؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"