بين أهالي الضحايا وأهالي المجرمين.. خط أحمر

02:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحدث أمامك، كيف تتفاعل معه؟ هذا ليس سؤالاً بقدر ما هو المدخل الرئيسي لفهم ما تقدمه وسائل الإعلام المرئية، وبأي ذهنية تتعامل مع الأحداث العربية والعالمية.
في لحظة الحدث، الكل يسرع إلى تغطية الخبر العاجل، وما من خبر إلا ومرهون بمشاعر البشر، وللأسف فإن أغلبية أخبارنا العاجلة صارت بلون الدم، وملوثة بالإرهاب، والإجرام، والعنف السياسي.
الإعلامي يرى الحدث من جانبه المهني أولاً، وهذا أمر طبيعي، لكن أن يصل حسه الصحفي إلى نزع فتيل المسؤولية الوطنية، ويترك لرغبته في إحداث «فرقعة» إعلامية، وسبق لم يحصل من قبل، بهدف جذب الناس، فهنا يكون حول تلك «المهنية» ألف سؤال.
التفجيرات الأخيرة التي حصلت في كنيستي طنطا والإسكندرية في مصر، دفعت القنوات إلى التفاعل بأشكال مختلفة، ومواكبتها، ليس بهدف التغطية فقط، وإنما كنوع من المتابعة لحال الناس والشارع وحالة الطوارئ وما تعنيها. كل القنوات العربية تفاعلت أيضاً، منها ما تعامل بشكل موزون، وحلل، بمنطق، الأسباب وراء التفجيرين، وما هو مطلوب اليوم، فيما قنوات مصرية استضافت أهالي الضحايا في حلقات مملوءة بالمشاعر الإنسانية.

هناك كالعادة من يخرج عن الخط المألوف، ليس بسبب الإبداع وابتكار أفكار جديدة قد تضيف إلى العمل الإعلامي وإلى المشاهدين، بل من منطلق السبق، و«العرض الحصري». هذا الفخ الذي أوقع البعض، ومن بينهم الإعلامي الأشهر عمرو أديب، في شرك ربما لم ينتبه إليه حين سارع إلى تخصيص حلقة للقاء أهل «القاتلين».
نحن أمام عملية إجرامية، فاعلها قام بملء إرادته بتفجير نفسه بهدف قتل أبرياء يصلّون داخل الكنيسة، ومحاولة اغتيال وطن بأكمله، كما قام سابقاً بملء إرادته بتسليم نفسه إلى الإرهابيين والتنظيمات، أياً كانت "داعشية"، أم إخوانية، ليغسلوا دماغه بمفاهيم شيطانية. تعامل معهم، وتعلم منهمنن ودرس وخطط ونفذ. إذاً، هو لم يجد نفسه فجأة ضحية تم استدراجها واستغلالها بين ليلة وضحاها تحت وطأة التهديد لينفذ عملية رغماً عنه. وما يعني أيضاً، أنه يتردد على أوكار موبوءة ومشبوهة حتى صار عنصراً فاعلاً، يثقون به، ومستعد لتنفيذ جريمته.
كل هذا يعني أن القاتل وإن كان في البداية ضحية تنظيم أقنعه بمفاهيم خاطئة، إلا أنه لم يعد «بريئاً» أبداً، ولا هو الإنسان الخلوق الطيب المسالم، كي يسرع إعلامي إلى أهله ليكشف على ألسنتهم أنه محبوب من كل الناس، وطيب، ولا غبار على سمعته. ما هذه الصورة المشوهة التي ينقلها الإعلامي عن غير قصد منه، إلى كل العالم؟ هل هذا يعني أن القاتل بريء؟ أم أن الإعلامي غير واع لخطورة دوره ورسالته؟ ولماذا استفزاز أهالي الضحايا الأبرياء في هذه الأثناء بالذات، بالمساواة بين دموعهم وحرقتهم، وبين دموع أهل المجرمين، بينما هناك خط أحمر لا يجوز تجاوزه؟ أين قدسية المشاعر، وحسن تقييم المواقف؟

يمكن للإعلامي أن يذهب إلى حيث يسكن المجرم ليعرف تاريخه، بهدف البحث عن الحقيقة، وكيفية تحركه وإلى أي درجة يكون الإرهابي مخادعاً، خبيثاً، متلوناً، يرتدي أقنعة عدة كي يخفي حقيقته، وذلك بعد أيام على وقوع الجريمة. إنما أن يحتضن المذيع شقيق القاتل ويمسح دموعه؟ فهذا استدرار لعطف المشاهدين مرفوض ويؤدي إلى نتائج عكسية غير مرجوة.
كل إعلامي مسؤول اليوم عن كل كلمة يكتبها، وكل كاميرا يسلط من خلالها الضوء على شخص، أو فكرة، أو حدث. لم يعد للسذاجة مكان، فالإرهاب يعرف جيداً كيف يستغل الضعف، وكيف يتسلل إلى العمق ليخطف العقول فيقتل الأبرياء، ويفتت الأوطان والمجتمعات. وما يحصل في مصر هو ضمن تخطيط التفتيت الواضح، ومسؤولية الإعلام المصري كبيرة، ولا وقت للبطولات الإعلامية على حساب المجتمع وأمن البلد. السبق الصحفي الحقيقي، هو توعية الناس لا تضليلها، لمواجهة الإرهاب، ولا وقت للمزايدات.

مارلين سلوم
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"