أخلاق كبيرة

01:07 صباحا
قراءة دقيقتين

يوسف أبولوز

قرأت في صحيفة الرأي الأردنية مقطعاً من رواية، العراقي محسن الرملي «ذئبة الحب والكتابة»، وفيها يروي كيف ساعده الشاعر عبد الوهاب البياتي، والروائي الأردني مؤنس الرزاز على تأمين جانب من بطاقة سفره إلى إسبانيا، وعن البياتي يقول الرملي « نادى على الموجودين في المقهى، والداخلين إليه، وعلى الندل، كي يشتروا نسخاً (من الكتاب الأول للرملي)، وأن يدفع هو عمن لا يحمل في جيبه دينارين، أبقاني إلى جواره حتى نفدت النسخ، ثم انتحى بي جانباً، دس في يدي عشرة دنانير».
أما مؤنس الرزاز فقال للرملي.. « لدي فكرة لمساعدتك إذا وافقت، أن أدفع لك من عندي مقدماً مكافآت ثلاث مواد ستكتبها لنا كرسائل ثقافية من إسبانيا لنشرها في المجلة لاحقاً، ويتابع: عشرون عن كل مادة، وخمسة قال إنها ثمن نسخته من كتابي..».
الفترة التي يتحدث عنها محسن الرملي «ذئبة الحب والكتابة» هي فترة منتصف تسعينات القرن الماضي، التي شهدت فيها العاصمة الأردنية عمان وجود عدد كبير من الكتاب، والشعراء والفنانين العراقيين، الذين حالف الحظ بعضهم بالحصول على لجوءات سياسية وإنسانية إلى دول أوروبية، وبالتالي غادروا إليها، والبعض منهم بقي في عمان أو عاد إلى العراق.
كان الشاعر (جان دمّو) واحداً من هؤلاء.. ولم يكن معنياً باللجوء أو الإقامة أو أي شيء آخر سوى عيش الحياة وعيش الشعر تحت خط الوجع الإنساني العظيم الذي كان دمو يتحمله بسخرية شجاعة وقلب مملوء كما يبدو من سلوكه البوهيمي الحر، بالشفقة على الآخرين، وليس الشفقة على نفسه.
سألتقي في تلك الفترة الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر الذي فتح له الصحفي الأردني الراحل عبد الله حمدان، باب النشر المنتظم في مجلة «عمّان»، بمكافآت منتظمة أيضاً يستحقها ويستحق الكثير من الاحترام على تجربته الشعرية الريادية ذات الخصوصية العالية في الشعر العربي الحديث، كما وفّر له ممدوح العبادي أمين عمان آنذاك إقامة تليق به، وبمكانته الأدبية المحترمة.
الكتاب العراقيون في فترة تسعينات القرن الماضي أثروا الحياة الثقافية والشعرية والفنية في الأردن، وقامت بينهم وبين الكتاب الأردنيين صداقات عميقة انعكس بعضها في نتاجات شعرية وروائية كما لاحظنا في المقطع المنشور من رواية محسن الرملي (ذئبة الحب والكتابة).
بعيداً عن كل ذلك، تجدر الإشارة إلى المواقف النبيلة للبياتي والرزاز والعبادي وغيرهم، ممن يعرفون جيداً القيمة الأدبية والثقافية للكاتب، والواجب الإنساني والأخلاقي لمساعدته في أي محنة يتعرض لها، وهذه النماذج الراقية موجودة ليست في الساحة الثقافية الأردنية فقط، بل، موجودة في كل مكان يقدر العمل الثقافي ويقدر الكتابة والكتّاب بعطاء لا حدود له انطلاقاً من دافع أصيل وهو احترام المثقف.
وللتاريخ أشير إلى شخصية عبد الوهاب البياتي ومؤنس الرزاز بشكل خاص فقد عرفتهما عن قرب، وعرفت في داخلهما نبل الإنسان قبل نبل الشاعر والروائي، وأعرف كم من مرة قاما بمساعدة كتّاب على طباعة كتبهم أو توفير ما يمكن توفيره من نشر في صحف ومجلات تدفع لهم أجر أقلامهم الحرّة المستقلة، ولو بمكافآت رمزية تشعرهم بالكرامة.
لا يكفي أن تكون كاتباً كبيراً وحسب، بل أن تكون أخلاقياً كبيراً أيضاً وأولاً تجاه من يتشاركون معك في روح القلم.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"