«الإخوانجية» والصهيونية

04:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
أحمد مصطفى

إن أي فكر أو تنظيم سياسي يقوم على أساس ديني أو طائفي هو عنصري لأنه يميز بين أفراد المجتمع

كشفت السنوات العشر الأخيرة، وتحديداً منذ احتجاجات ما سمي «الربيع العربي» في المنطقة، للجمهور العريض عن كثير مما كان يقتصر الجدل حوله على دوائر النخبة من الأكاديميين والباحثين والمفكرين.

ولعل من أهم ما كشفته أحداث تلك السنوات كيف أن تنظيم الإخوان يستغل الدين بانتهازية لا تختلف كثيراً عن استغلال الصهيونية للديانة اليهودية في تبرير الاحتلال الاستيطاني وأشكال التمييز العنصريكافة.

لدى «الإخوانجية» قناعة أساسية بتقدم ما يسمى «الأمة» على الوطن، والأمة هنا ليست بالضرورة «الأمة العربية» وحتى التعبير الفضفاض «الأمة الإسلامية»، ما هو إلا أداة انتهازية سياسية صرفة بالضبط كما تصادر الصهيونية قطاعاً معقولاً من «الأمة اليهودية» المعارض لاحتلال فلسطين، وحتى لإقامة دولة «اسرائيل». وربما ذلك من بين أسباب إعلان «اسرائيل» مؤخراً «دولة يهودية» بقانون صادق عليه برلمانها.

دولة الاحتلال ليست لها حدود واضحة، ولا تعبأ حتى بمعايير القانون الدولي والأمم المتحدة التي أصبحت عضواً فيها منذ عقود طويلة. كذلك «الإخوانجية»، وإن سعوا للسيطرة على السلطة في بلد ما إلا أنهم لا يعبأون بالحدود، فتلك بالنسبة لهم خطوات تكتيكية حتى الوصول إلى بسط النفوذ في نطاق جغرافي أوسع.

كذلك يتشابه «الإخوانجية» مع التجربة الإيرانية التي كونت نظامين: نظام حكم على أساس غربي ونظام مواز على أساس الولاء للقيادة الدينية التي هي غالباً الأقوى والأكثر نفوذاً وتأثيراً. وإلى جانب الجيش النظامي، لدى إيران قوة أكبر من الميليشيات لها أذرع متعددة خارج إيران. بالضبط كما قام جيش الاحتلال على أساس عصابات إرهابية صهيونية في فلسطين منذ أيام الانتداب البريطاني مطلع القرن الماضي.

لذا يجد «الإخوانجية» مشكلتهم الأولى في الدول التي ينشطون فيها هي الجيوش النظامية. لذا، وبرعاية وغض طرف من قوى دولية قبل نحو أربعة عقود، أصبح لتنظيم الإخوان أذرعه المختلفة من الجماعات الإرهابية تحت مسميات مختلفة، وأشهرها بالطبع تنظيم «القاعدة» و«داعش».

وبالنسبة لل«إخونجية»، فإلى جانب أن المؤسسة العسكرية في أغلب الدول التي يستهدفونها هي ركيزة أساسية للدولة الوطنية، وبالتالي فتلك مستهدفة بالتخريب الإخواني لتفكيكها. هناك تناقض رئيسي بين عقيدة الإخوانجية ومبادئ العسكرية التقليدية والدول الوطنية إجمالا. فتنظيم الإخوان يقوم على فكرة الولاء والطاعة من القاعدة للقيادات حتى المرشد، وهو نمط تسلسل القيادة في جماعاتهم الإرهابية كلها، وبالتالي لا يسمح بأن يكون هناك أي نظام آخر يجعل الولاء للوطن أو للعقيدة العسكرية لجيش نظامي.

إن أي فكر أو تنظيم سياسي يقوم على أساس ديني أو طائفي هو عنصري لأنه يميز بين أفراد المجتمع الذي يعمل فيه على أساس ديني أو طائفي على اعتبار أن السياسة هي وسيلة إدارة المجتمع ككل ولا تخص أهل دين بعينه أو طائفة بعينها. وهذا التمييز وتلك العنصرية هي القاسم المشترك الرئيسي بين الصهيونية والإخوانجية.

تلك الممارسة «الإخوانجية» هي ما اعتمده شخص مثل أردوغان في تركيا منذ بداية حكمه باستهدافه المؤسسة العسكرية واستغلاله بعد ذلك لعناصر الإرهاب الإخواني من الدول المختلفة في مشوار الحشد ل «داعش» وغيرها في سوريا والعراق. وإن كان موقف أردوغان من الجيش التركي أكثر تعقيداً، ففي النهاية تركيا دولة علمانية وليست دينية وإن استغل رئيسها بانتهازية شعارات أممية إخوانجية وإرهابية مع ادعاء التزامه بعلمانية الدولة. واعتبر الجيش منذ تأسيس الجمهورية الأتاتوركية حامياً لأسس الدولة، وعارض منذ البداية التوجهات الأردوغانية المتحالفة مع التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها التنظيم الدولي للإخوانجية.

ربما كان ما حدث في الجزائر مطلع تسعينات القرن الماضي أول تعبير واضح وجلي عن تلك العقيدة الإخوانجية التي أدخلت البلاد في عشر سنوات دموية بين الجماعة المسلحة والجيش والأمن. ورغم أنها انتهت بانحسار الإرهاب إلا أنها تركت الجيش ضعيفاً، وكذلك الدولة الوطنية ككل. وتكرر ذلك بدرجة أو بأخرى في دول رئيسية مثل مصر وغيرها. حتى في السودان، التي حكمها الإخوانجية (بانقلاب عسكري) نحو ثلاثة عقود كانت فترة لتكون الميليشيات المسلحة وتفتت البلاد حتى كادت تضيع الدولة تماما. وفي السنوات الأولى لحكمهم كان السودان ملاذاً لكل جماعات الإرهاب وقادتهم مثل بن لادن والظواهري. بالضبط كما فعل التنظيم في الفترة القصيرة التي حكم فيها مصر في 2012-2013 حين بدأ بإخراج الإرهابيين من السجون وأعاد إرهابيين منفيين إلى مصر.

آفة هذه المنطقة، أنه لن تتحسن أحوالها بدون القضاء على ذلك التوجه العنصري التمييزي للإخوانجية والصهيونية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"