الطبقية والعنصرية الجديدة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين
في مقال سابق حمل عنوان: «العلم وتطور الإنسان»، تحدثت حول الذكاء الصناعي، وتحذير العلماء من الاندفاع الهائل نحو تطويره، دون وضع تشريعات وقوانين منظمة وواضحة للتعاطي والتعامل معه، خاصة وأن هناك جهوداً وبحوثاً نسمع بها يومياً تتحدث عن تعديلات جينية والتوجه نحو الروبوتات، وهو ما دفع البعض من العلماء للتنبؤ بمستقبل مظلم للبشرية. ومن هؤلاء العلماء عالم الفيزياء والرياضيات المخضرم ستيفن هوكينج، الذي قال: «الذكاء الاصطناعي أكبر تهديد وجودي للبشر».

وأول هذه الأخطار هو تفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري، وهو ما يعني سيطرة الروبوت على الإنسان وإخضاعه وليس العكس. البعض قد يضحك من مثل هذا السيناريو، ولكن عند التفكير ملياً فيما قد يحدثه العقل الاصطناعي وتجاوزه بمراحل للذكاء البشري، قد تظهر بعض العلامات المنطقية. الجانب الآخر في الموضوع هو الاختلالات الاجتماعية التي ستحدث، فقد شاهدنا ولمسنا أثر التقنيات الحديثة الحالية وتطور شبكات الاتصالات والهواتف الذكية وانتشار مواقع التواصل وغيرها من التطبيقات على تلك الهواتف التي باتت تتدخل في كل شيء من حياتنا، وكان لهذه التطورات أثر في المجتمعات البشرية، وسببت خللاً ومشاكل كبيرة، وهي بالمناسبة تعد تقنيات متواضعة أمام ثورة الذكاء الاصطناعي القادمة، لذا حذر العلماء من أن تشهد المجتمعات البشرية فوضى تنظيمية وأخلاقية وقيمية بكل ما تعني الكلمة.
أسوق لكم مثالاً واحداً فقط لهذا الخلل الواضح والفاضح والخطير في مسيرة الإنسان، عندما يتدخل الذكاء الاصطناعي، ويقوم بعمل تعديلات جينية، فإن المتوقع إنتاج إنسان جديد، يتميز بذكاء وبنية جسدية تختلف عن وضعنا الحالي، وهو ما يعني ظهور عنصرية جديدة وطبقية جديدة مبنية على الجينات الوراثية المعدلة، وفعلاً يصبح الإنسان نوعين الأول متفوق ومعدل وراثياً والآخر عادي بلا أي إضافات، وكما قال المؤلف الشهير كازو إيشيجيرو: «المجتمع قد ينقسم إلى طبقتين، الأولى تتميز بأطفالها الذين يولدون وفق طلبات معينة من أهاليهم الأثرياء، كأن يتخلصوا من أمراض معينة أو يرفعوا من معدلات ذكائهم وأدائهم الجسدي، والطبقة الثانية أدنى منزلة بيولوجياً، لأنها بقيت تتكاثر على طبيعتها بلا أي لمسات».
وهذه معضلة كبيرة كون استخدام هذه التكنولوجيا لابتكار جنس بشري متفوق، لن تكون متاحة للجميع نظراً لتكلفتها المادية الباهظة، وإنما محصورة في فئة قليلة جداً من البشر، هم الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال.
وهو ما يعني في نهاية المطاف نوعاً جديداً من العنصرية والطبقية، بل شق بين الناس جسيم لم يشهده التاريخ الحديث البشري من قبل.

شيماء المرزوقي
[email protected]
Www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"