مفارقات الفصام الحضاري

02:46 صباحا
قراءة دقيقتين
عبداللطيف الزبيدي

لماذا كانت كل الحضارات عبر التاريخ، يطبع سلوكها ضرب من الشيزوفرينيا؟ هل في مقدور أحد العثور على استثناء؟ محال. تلك التي انبثقت من تعاليم وروافد روحية، وتلك التي قامت على بيض الصفائح والعوالي وتطويراتها إلى عصرنا، كلها عليها ختم ازدواجية السلوك: قمم القيم في يد، وفي الأخرى فظائع الطبائع. بمزيد من التدقيق والتحقيق ستزداد يقيناً، أنه لا استثناء.
خذها ببساطة، على بلاطة. هذه الولايات المتحدة أمامك، إنها تقف على هرم حضاري، عشرون قرناً الأخيرة منه يهودية مسيحية، قبلها قرون أخرى من الميثولوجيا والوثنية، يونانية ورومانية. اسألها: ما هذا الفصام؟ كيف استطاعت الجمع بين هارفارد، برنستون، «أم آي تي»، وحرب فيتنام، وهيروشيما، وناجازاكي، وأفغانستان، والعراق، ومساحة عشرين عموداً آخر لذكر المطاحن الكبيرة فقط؟ ما كل هذه الاضطرابات في شخصية الحضارة؟ أمثال ويل ديورانت، وأضراب جون بولتون، كلهم سمات وجوه أمريكية.
وكالة ناسا للفضاء، أرسلت البشر والمسبارات إلى القمر والمريخ، أحدها «فويجر» يستعد لمغادرة المنظومة الشمسية، بينما آلة الحرب ترحّل الملايين إلى العالم الآخر. الشبكة العنكبوتية تسخو على البشرية جمعاء بالعلوم والمعارف والفنون والتقانة، وبما لا يستطيع فرد الإحاطة بمقروئه ومسموعه ومرئيه، ولو عاش مليون سنة، في حين تنظر شبكة عنكبوتية أخرى، إلى الشعوب كما لو كانت ذباباً، إذا وقع بلد في حبائلها، تهشّمت ضلوعه، وأجدبت ربوعه، وجف ينبوعه.
ما هذا الفصام الذي ليس له فطام؟ لم يحدث قط أن ارتقى بلد بالبحث العلمي.. بالعلوم والتقانة إلى الذرى التي طارت إليها الولايات المتحدة، فكيف أحوالها وأهوالها على صعيد القيم الإنسانية؟ هل التنكيل بالضعفاء نشر عدالة؟ هل الاستيلاء على مقدرات العالم الثالث وجعل الحروب تجارة، رسالة؟ لماذا الشيزوفرينيا لدى الإمبراطوريات؟
هل محال أن تتخلى عن التناقض الفاضح، وتسعى إلى أن تكون الديمقراطية الرحيمة في الداخل، إنسانية عادلة على سطح الكوكب؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: الحضارة إذن غير حضارية؛ لأنها كالسباع في قانون الغاب، تُطعم صغارها بقتل الغير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"