من المهاجرين إلى المهجّرين

03:51 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد اللطيف الزبيدي

أرأيت يا رسول الله ما حلّ بالإسلام والمسلمين؟ هل أجرؤ على القول إننا اليوم لا الإسلام الذي نرى عمليّاً هو الإسلام، ولا المسلمون مسلمون كما تريد أن يكونوا؟ إننا مجرّد انتماء حبر على ورق، لا روح فيه ولا إدراك، فأنّى لنا الفهم السليم، والسير على الصراط المستقيم؟ المسلمون وإخوانهم من أهل الكتاب في دار الإسلام هم قتلى وجرحى بألوف الآلاف، وبآلاف الألوف هم مهاجرون قسراً، مهجّرون بلا أنصار، في كل الأمصار، هباء في كل إعصار.
أرأيت يا رسول الله كيف صار الإسلام، بعد جنان القيم التي زرعتها، غابة صراعات على السلطة، بُعيْد رحيلك حتى الساعة، وهم أجمات تطاحن مذهبيّ، كلّ يدّعي نهجك القويم؟ لقد قلت لأصحابك: «أنتم أدرى بشؤون دنياكم»، فإذا الأمّة من بعدهم أشتات مذاهب بعيدة من حقيقة الدين، وحقائق صالحات الأعمال الدنيوية. بات حتى المأجورون السفاحون يتقنّعون بالإفتاء للافتراء على رسالتك خدمة لأعدائها. لقد أعليت شأن العقل، وفتحت الآفاق للبصائر قائلاً: «اختلاف أمّتي نعمة»، فأساء الناس الفهم كعادتهم وطفقوا يختلفون ويختلقون الخلاف، ويحترفون الانحراف، انجرافاً إلى مهاوي الردى والتردّي.
أرأيت يا رسول الله كيف أضحت الديانة السمحة غريبة، نسي الناس روائع تعاليمها، وبدائع آلائها، فإذا سبع وخمسون دولة منتمية إلى الإسلام، لا أحد من العالمين يقيم لها وزناً، ولا هي ترجح في ميزان العصر والزمان؟ أمّا الأمّة العربية فغذاؤها وملبسها ودواؤها، وكل صغيرة وكبيرة في أسواقها، وما تركبه ممّا يسير أو يطير، وعلومها ومعارفها ووسائل تعليمها، صنيعة غيرهم، فلو قطع غير المسلمين السبيل إليها، لغدونا أثراً بعد عين. فعل الأمر «اقرأ» تجسّد لدينا في عشرات آلاف الآلاف من المسلمين الذين لا يعرفون قراءة ولا كتابة. كيف حرّفوا كلِمَك عن مواضعه فصارت الأمّية مفروضة على المسلمين والمسلمات؟ ذلك هيّن، ولكنه عند الله وعندك مهين، فما تعيا به الأفهام، هو أن جميع مقاليد الأمّة في أيدي أعداء مقدّساتها، المستولين على مقدّراتها.
أرأيت يا رسول الله ما الذي فعلته الأمّة بعظمة معادلة التعادلية العظيمة التي لخصتَ لنا فيها الرسالة: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لأخراك كأنك تموت غداً»؟ الجمع بين الشطرين سحر بيان لا يحتاج عاقل بعده إلى شرح عن حقيقة الإسلام: عمل دنيويّ غير محدود، رقيبك فيه هو الله. حريّة عمل، مع إحساس دائم بأن الله يرى. لله درّك يا رسول الله.
لزوم ما يلزم: النتيجة الهجريّة: أخذ العرب من الهجرة هجرة العقول وقبول التهجير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"