تحولات في عقيدة المسؤولية العالمية لأمريكا

05:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري

في عام 1992 تسربت تفصيلات استراتيجية أمريكية حملت اسم «دليل التخطيط الدفاعي للبنتاجون»، وهي عبارة عن وثيقة رسمية هدفها المحافظة على وضع القوة العظمى الوحيدة للولايات المتحدة، ومنع أي دولة أخرى من تحدي الوضع المهيمن والمتميز للولايات المتحدة.
هذه الوثيقة وُضعت عقب زوال الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينات القرن الماضي، وتركز على منع ظهور أي قوة منافسة للولايات المتحدة مستقبلاً، وتضمن للولايات المتحدة إنشاء نظام جديد يجعل المنافسين المحتملين يقتنعون بأنه يجب عليهم ألا يطمحوا في دور عالمي أكبر من الدور الأمريكي، وأن تحتفظ الولايات المتحدة بمسؤولية التصدي للمشكلات التي تهدد مصالح حلفائها وأصدقائها، وليس مصالحها فقط أو تلك المشكلات التي يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار العلاقات الدولية بشكل خطر.
وعندما تولى جورج بوش الابن الرئاسة عام 2001، وقاد المحافظون الجدد الفريق المختص بالسياسات الخارجية والعسكرية، ثم وضعوا في ديسمبر / كانون الأول 2002 ما سمي باستراتيجية الأمن القومي الجديدة، فإنهم ضمنوها النص على عدم السماح بظهور أي قوى دولية أو إقليمية منافسة للولايات المتحدة.
وبعد ست سنوات من إعلان استراتيجيتهم، ثبت عدم قدرتها على البقاء، وأن العالم يشهد تحولات جذرية، تؤكد قدرة دول أخرى على امتلاك المنافسة إقليمياً ودولياً، ثم جاء باراك أوباما إلى الرئاسة ليعلن في الأيام الأولى من حكمه أن الولايات المتحدة ليست قادرة على أن تحل وحدها الأزمات الإقليمية، أو أن تتصدى منفردة للتحديات لأمنها القومي، وأنها تحتاج إلى مشاركة آخرين.
بعد ذلك تهدم ركن أساسي من أركان استراتيجية التخطيط الدفاعي لعام 1992، الذي ينص على احتفاظ الولايات المتحدة وحدها بمسؤولية التصدي للمشكلات التي تهدد مصالح حلفائها وأصدقائها، وليس مصالحها فقط، أو التي تؤدي إلى زعزعة استقرار العلاقات الدولية بشكل خطر، ثم واصل دونالد ترامب من بعده سياسة تقليص دوره في تحمل المسؤولية تجاه المشكلات التي تهدد حلفاءه وأصدقاءه، بمطالبتهم سواء في حلف الأطلنطي، أو الدول الإقليمية الأخرى الصديقة، بأن تتحمل العبء الأساسي في مواجهة التحديات لأمنها.
عدد لا بأس به من المختصين في الولايات المتحدة خاضوا في تحليل هذه التوجهات للسياسة الأمريكية، منهم البروفيسور مايكل ماستاندونو، أستاذ علم الحكومات بجامعة داثموث، ومؤلف عدد من الكتب من بينها «الواقعية والعلاقات الدولية بعد الحرب الباردة»، و«لماذا ستظهر قوى عظمى جديدة؟»، وكريستوفر لين مؤلف كتاب «وهم القوة العظمى الوحيدة»، وغيرهما، وكلهم اتفقوا على أن سعي دولة واحدة لتجميع كل القوى في يدها وحدها، لا بد أن يحرض دولاً أخرى لاستعادة ميزان القوى في مواجهة هذه الدولة، وإن السؤال ليس ما إذا كانت قوة جديدة ستظهر تملك مقومات التنافس، لكن السؤال هو: متى يحدث ذلك؟ وهذا لم يمنع بعض الخبراء من أن يكونوا أقل تفاؤلاً تجاه احتمالات السلام والتعاون بين القوى الكبرى المختلفة.
هذا التوقع التشاؤمي بدأت تبرز ملامحه من اتخاذ الرئيس ترامب سياسات متشددة تجاه أكثر دولتين تمتلكان قدرات القوى الدولية المنافسة، هما الصين وروسيا، لكن تظل هناك آراء واقعية في الولايات المتحدة، ترى أن النظام الدولي دخل بالفعل في عملية تحول كبرى لا بد أن تنهي عصر هيمنة قوة بمفردها على النظام الدولي، وتفتح الطريق أمام تعددية على قمة هذا النظام، تفرض التعاون قبل المواجهة، خصوصاً أن نوعية التحديات المتنوعة في العالم، تطال الجميع وتفرض عليهم التعاون لمواجهتها، وحيث لا يمكن لقوة واحدة بمفردها التعامل معها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"