يهودية “إسرائيل”: انقلاب استراتيجي

اليوم، غداً
04:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

ما أبعاد كل هذا الضجيج الهادر في إسرائيل حول يهودية الدولة؟

الاجتهادات ليست كثيرة، وهي تتمحور في الواقع حول تفسير يتيم: رغبة قادة إسرائيل في تحويل الشعار الصهيوني التلمودي حول ملكية اليهود التاريخية لكل أرض فلسطين وحتى ما بعدها (إسرائيل الكبرى) إلى مادة مفاوضات مع العرب والمجتمع الدولي .

هكذا الأمر بكل بساطة .

في السابق، كان الاعتراف العربي بشرعية الدولة الإسرائيلية هو الهدف الذي تبنته الولايات المتحدة بحذافيره . وكان تجسيده الأكبر هو قرار مجلس الأمن الرقم 242 الذي صدر غداة نكسة 1967 والذي ربط بإحكام بين الانسحاب من الأراضي المحتلة وبين اعتراف العرب بشرعية الدولة الإسرائيلية . آنذاك، رفع الدبلوماسي الأمريكي يوجين روستو، الأب الروحي لهذا القرار، شعار إذا ماكان العرب يريدون العدل، فعليهم توفير العدل للطرف الآخر . وهذا يعني بصريح العبارة الاعتراف رسمياً بإسرائيل .

بيد أن الظروف تغيرّت بشكل كاسح بعد اتفاقات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة . فقد اعترف معظم العرب، سواء علناً أو ضمناً، بالدولة الإسرائيلية وأقاموا معها، علناً أو ضمناً، علاقات دبلوماسية وأمنية وتجارية .

فالاعتراف بالشرعية لم يعد كافياً لتبرير أهداف الحركة الصهونية التي كانت، ولاتزال، تستند إلى الحق التاريخي لليهود في كل فلسطين . وعلى رغم التباين بين تيارات هذه الحركة حول كيفية تحقيق هذا الهدف، حيث انقسمت إلى براغماتيين (مثل بن غوريون وباقي قيادات حزب العمل) يقبلون التنازل مرحلياً عن بعض هذه الأراضي التاريخية، وبين إيديولوجيين (من تلامذة جابوتنسي الليكوديين وتلموديين) يرفضون مثل هذا التنازل، إلا أن الجميع كان متفقاً على المبدأ الرئيس: السيطرة بأي شكل وبكل الأشكال على فلسطين برمتها .

الحل لعدم كفاية شرط الشرعية جاء في طرح شرط يهودية إسرائيل . وهذا كان حلاً عبقرياً في الواقع . إذ هو يضع الفلسطينيين والعرب والغربيين على حد سواء أمام معادلة جديدة تستبدل معادلة الأرض مقابل الاعتراف والسلام التي استند إليها القرار ،242 ومعه كل التطورات طيلة نصف القرن الماضي، بمعادلة الاعتراف بيهودية الأرض مقابل السلام .

هذا الانقلاب في المعايير وشروط التسوية لم يبق حبراً على ورق، بل تمت ترجمته سريعاً، عبر خطوات شملت:

طرح هذا المطلب رسمياً في المفاوصات المباشرة مع الفلسطينيين في واشنطن، وأيضاً خلال القمة بين أوباما ونتنياهو . وعلى رغم أن الرئيس عباس وجد نفسه مضطراً للسخرية من مثل هذا الطرح، إلا أن الرئيس الأمريكي لم يحذُ حذوه بل أدلى ببيان حول الالتزام المطلق بأمن إسرائيل فسّره نتنياهو فوراً على أنه يعني الموافقة على يهودية الدولة .

إقرار اقتراح وزير العدل الإسرائيلي ياكوف نعمان بتغيير قانون المواطنة الإسرائيلي، لينص على أن كل من يرغب بالحصول على الهوية الإسرائيلية عليه الإدلاء بولاء القسم لكون إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية .

وأخيراً، قيام الجيش الإسرائيلي قبل أيام بمناورات عسكرية ضخمة تحاكي عملية ترانسفير (تهجير) عرب فلسطين 48 من أرضهم ومنازلهم، استعداداً لتنفيذ فكرة الدولة اليهودية النقية، سواء من خلال فرض تسوية تتضمن هذا الترانسفير على الفلسطينيين، أو عبر حرب شاملة جديدة .

كل هذه التطورات تشي بأن مسألة يهودية إسرائيل لم تعد ألعاباً تكتيكية لغوية، بل هي توجّه استراتيجي تكاد عناصره تكتمل فصولاً الآن .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"