هجمات باريس الإرهابية

03:55 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول

يحتفظ الفرنسيون، كما غيرهم من الشعوب، بأساطير ومعتقدات وتعاويذ لا تقلل في شيء من علمانيتهم، لكنها تظهر في حياتهم أو على الأصح في مخليتهم كمؤشر على حدث سعيد أو حدث سيئ، ومن بين تلك المؤشرات يوم «الجمعة في 13» من شهر محدد. بل يمكن القول إن هذا المؤشر هو الأكثر شؤماً في خيال قسم وافر من الفرنسيين، وعندما نتحدث عن قسم وافر؛ فإننا نعني بذلك أن قسماً آخر لا يؤمن بمثل هذه المؤشرات، ويعتبرها وهمية أو غيبية متناقضة تماماً مع الوقائع القاهرة أو مع البديهيات العلمية.

والراجح أن يوم الجمعة الماضي الواقع في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني، قد عزز موقع المتشائمين الغيبيين بمواجهة الذين لا يؤمنون بالغيب أو يسخرون من المعتقدات الغيبية المتوارثة، فقد شهدت باريس في هذا التاريخ الهجمات الإرهابية الأكبر والأخطر والأهم في تاريخها المعاصر، ليس فقط لحجم الضحايا، وهو كبير جداً بالقياس إلى هجمات وقعت في السابق، وإنما للخطر الأكبر الذي تم تفاديه بأعجوبة؛ وأعني بذلك مباراة ألمانيا - فرنسا في كرة القدم التي كان يحضرها شخصياً رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند ووزير الخارجية الألماني شتاينماير.
لقد بينت تفاصيل ما جرى أن المجموعة المهاجمة كانت تخطط للدخول إلى الملعب وتفجير نفسها وسط الحشود، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى تدافع عشوائي من عشرات الألوف من المشجعين في الملعب، وأن تكون نتيجة هذا التدافع التسبب بأذى للرئيس الفرنسي أو سقوط آلاف القتلى وبالتالي حدوث كارثة ما، كان بوسع أحد أن يرصد مسبقاً نتائجها وأضرارها وبالتالي الإجراءات التي تعتمد في ضوئها.

ومن غير المستبعد أن يكون هول هذا السيناريو الذي فشل الإرهابيون في وضعه موضع التنفيذ هو الذي ألقى بثقله على الحكومة التي اتخذت إجراءات غير مسبوقة في تاريخ هذا البلد، ومن بينها إعلان حالة الطوارئ القصوى، وذلك للمرة الأولى منذ حرب الجزائر، وتكليف الجيش الفرنسي القيام بمهام عملياتية في الداخل، بدلاً من الرقابة التي كان يمارسها من قبل بمنع التجول في باريس، وسحب الجنسية الفرنسية من أشخاص مشتبهين، وطرد فوري لمهاجرين وأئمة مساجد دون إجراءات قضائية تقليدية، ومن المنتظر أن تطبق إجراءات أخرى أشد قسوة، وبالتالي وضع علامة فارقة على الحدود بين ما قبل وما بعد أحداث الجمعة الدامية.
بالانتظار، طرحت هجمات باريس الإرهابية عدداً من الأسئلة التي يمكن تلخيصها بالخطوط التالية:
* أولاً: ما مصير الاستراتيجية التي ستعتمدها فرنسا في مجابهة «داعش»، ذلك أن الاستراتيجية السابقة المبنية على الشعار المزدوج «لا بشار ولا داعش» ما عادت ملائمة للمرحلة المقبلة، لأنها ببساطة تستند إلى أولويتين؛ وبالتالي من الصعب الوفاء بهما، فما بالك إذا كانت «داعش» نفسها قد فرضت أولوية واحدة؟
* ثانياً: قد يبدو تدبير سحب الجنسية تدبيراً عقابياً مهماً، وكذلك طرد عدد من المهاجرين أو اللاجئين إلى الخارج، لكنه لا يردع (المؤدلجين) والذين صمموا على الموت من أجل «الخلافة» وبالتالي لا يعبأون بلون الهوية أو الجواز الذي سيُكتشف من بعد على أو حول جثثهم.
* ثالثاً: كيف سيتم التصدي لمخاطر شيطنة المسلمين الفرنسيين وبأية وسائل، ذلك أن تعيين واستخدام 7 ملايين مسلم في فرنسا ككبش محرقة، من شأنه أن يصب الماء في طاحونة الإرهابيين الذين يرحبون بانضمام الجالية المسلمة إلى صفوفهم؟
* رابعاً: كيف سيتم التصدي للآثار السلبية التي قد تنجم عن تطبيق إجراءات صارمة في سياق حال الطوارئ كالتضييق على الحريات والرقابة الصارمة على وسائل التواصل؛ ناهيك عن الاعتقالات الاحترازية والإقامة الجبرية؟
* خامساً: لقد صار معروفاً أن من الصعب الانتصار على تنظيم «داعش» بواسطة العمليات الجوية، وبالتالي لابد من حملة برية كبيرة ، ومن المعروف أيضاً أن فرنسا لا تملك الجيش اللازم لهذه الحملة، وأن إعدادها يحتاج إلى مبادرة أمريكية وتحالف دولي؛ في حين تقول واشنطن إنها لن ترسل جنوداً إلى الأرض.. وإذا كان التحالف الأمريكي - الفرنسي البري متعذراً، فمن يعوضه وكيف؟ هل يتم الاعتماد على الجيش السوري، وبالتالي تغيير استراتيجية «لا داعش ولا النظام»؟ هل يتم الاعتماد على روسيا، كما تدعو المعارضة الفرنسية؟ وماذا عن إيران؟
* سادساً: ما المخاطر التي ستترتب على الاتحاد الأوروبي، ذلك أن فرنسا أعادت الرقابة على حدودها في اختراق كبير لاتفاقية شينغن؛ فهل يؤدي ذلك إلى اختراقات أخرى؟
* سابعاً: لقد بينت هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني مدى حاجة الأوروبيين إلى سياسة دفاع مستقلة، فهل تعجل باتخاذ إجراءات سريعة من أجل وضع أسس لهذه السياسة، وإن صح ذلك كيف ستعالج مشكلة بريطانيا التي لا يمكن الحديث عن الدفاع الأوروبي بمعزل عنها، علماً بأن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون يقف على عتبة الاتحاد الأوروبي، ويهدد بتنظيم استفتاء للخروج منه، ما لم تُلبَّ مطالب بلاده؟
* ثامناً: هل تضغط فرنسا على حلفائها وتطالب بإجراءات قاسية ضد تمويل الإرهابيين وتهديم البنية التحتية التي تؤهلهم إيديولوجياً، فضلاً عن تمويلهم، وهل تستجيب تركيا بإقفال حدودها واعتماد سياسة صارمة تجاه الدخول والخروج من وإلى سوريا؟
أياً كان الرد على هذه الأسئلة، فذلك لا يكفي لوضع حد للظاهرة الإرهابية التي تنمو وتكبر وتخرج عن السيطرة في بلدان تحتاج إلى حلول سياسية لمشاكلها المزمنة أو الطارئة الناجمة عمّا يُسمى «الربيع العربي»، وبما إن الحلول تحتاج إلى وقت، فهذا يعني أن الحرب التي أعلنها فرنسوا هولاند على «داعش» قد تكون طويلة الأمد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"