مع “داعش” . . ضد “داعش” . . كيف؟

05:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
د . محمد الصياد
يختلط الحابل بالنابل في الحرب العالمية الثانية على الإرهاب، والمقصود الحرب على تنظيمي "داعش" و"النصرة" التي دشنتها الولايات المتحدة قبل أكثر من شهرين بحرب جوية على مواقع تجمعات تنظيم "داعش" في العراق، قبل أن تستتبعها بحرب جوية وصاروخية على مواقع وجود التنظيم في سوريا قبل نحو شهر . مع "النصرة" خفيةً وضد "داعش" علانيةً! . . مع أو ضد "داعش" (من دون ذكر سيرة النصرة) ولكن مع المعارضة السورية المعتدلة(!) . . مع أن جميعها كان حتى بضعة أشهر خلت، وعلى مدار سنوات ثلاث، في خندق واحد مع ""داعش""!
خلال بضع جلسات مباحثات هنا وهناك، أعلنت واشنطن عن إنشاء هذا التحالف . وقبل اكتمال استعداداته دخل الحرب ب"فدائية" أمريكية كالمعتاد، ولكن بتلك النوعية من "الفدائية" الجوية التي يصعب اختبارها ما لم تنزل على الأرض . والمفارقة هنا هي أن قطع رؤوس الأمريكيين والبريطانيين من قبل "داعش"، هو الذي أملى، على ما هو بائن، حالة الاستعجال في إنشاء التحالف، مذ لحظة نقل "داعش" فجأة إلى خانة الأعداء الواجب مقاتلتهم .
ونتيجة تعجل الانتقال إلى فعل الحرب، فقد كان لابد من أن تصطدم واشنطن، صاحبة مبادرة فعل الحرب، بعدد غير محدد من الحقائق المعوقة عملياً لمفاعيل وفاعلية العمليات الحربية . ولعل أبرز هذه الحقائق/ المعوقات التي لا تستطيع واشنطن إغفالها طويلاً، خاصة بعد أن أدركت عقم عمليات القصف الجوي الانتقائية، التي تشنها طائراتها على مواقع مقاتلي "داعش"، تتمثل فيما يلي:
* المأزق السياسي والعسكري واللوجستي والتنسيقي المعلوماتي الحربي الذي يكتنف مهاجمة "داعش" داخل سوريا . فلا تملك واشنطن وحليفاتها قوات على الأرض تستطيع مواكبة طلعات قصفها الجوي . وقد عادت لتكرر ما رددته طوال السنتين الماضيتين من عمر الصراع في سوريا ومفاده أنها ستشرع في تدريب قوات من المعارضة المعتدلة لمقاتلة "داعش"، وهي التي تعلم أن أطياف المعارضة المسلحة السورية، كانت حتى وقت قريب في خندق واحد مع "داعش"، بل ولاتزال كذلك مع "داعش" الصغرى "جبهة النصرة" .
* الصعوبة التي اكتنفت إدماج تركيا في هذه الحرب . إذ ظلت أنقرة تمانع وتماطل في الدخول بالحلف . فهي لم تتصور أن يُطلب منها فجأة إدخال تغيير جذري على قواعد اللعبة لدرجة مطالبتها بالاشتراك في مقاتلة ودحر "الحصان الأسود" (داعش) الذي تبقى لها في صراعها المستميت لإطاحة الرئيس بشار الأسد ونظامه، إثر خسارتها كافة الأحصنة التي راهنت عليها . وقد ظهر الخلاف بين تركيا وواشنطن بصورة فاضحة في المعركة الدائرة في مدينة كوباني (عين العرب) بين قوات "داعش" المندفعة للسيطرة على المدينة السورية الشمالية المحاذية للأراضي التركية الجنوبية، ووحدات الدفاع الشعبي الكردية المدافعة ببسالة عن المدينة . ففيما كانت طائرات التحالف تقصف حشود "داعش"، لمنع تقدمها، كانت تركيا تحشد دباباتها قبالة المدينة، لمنع أي مساعدات كردية تركية من الوصول إلى المدافعين عن المدينة .
* العامل الكردي أسقطته واشنطن أيضاً من حساب معادلتها الحربية الجديدة . فالمناطق الكردية في العراق وسوريا هي مناطق تماس وتداخل مع مناطق الاحتلال الداعشي، الأمر الذي أجبر الأكراد على الانخراط المبكر في الحرب ضد تمدد "داعش"، دفاعاً عن مناطقهم . وإسقاط الكرد من الحسابات الأمريكية هنا اضطراري هو الآخر، بالنظر لحساسية العلاقة بين الكرد والترك، فكيف لواشنطن أن تجمع النقيضين في حلفها؟
* رخاوة وسيولة الأرض العراقية التي تشكّل ميدان الحرب الرئيسي للولايات المتحدة ضد "داعش"، إن كان من الناحية السياسية أو المجتمعية أو الأمنية، حيث بات العراق منقسماً ومقسماً عرقياً ومذهبياً برسم الأمر الواقع، الأمر الذي سهل مهمة "داعش" في اجتياح المدن العراقية والتهامها بسرعة خيالية .
* يتحدث الرئيس أوباما ومساعدوه العسكريون والمدنيون عن حرب طويلة مع "داعش"، وهذا يتطلب تمويلاً سخياً وطويل الأمد للحرب . فمن أين سيأتي بهذا التمويل؟ . .فهذه معضلة دونها تعقيدات لا حصر لها . فدافع الضرائب الأمريكي والأوروبي لن يستطيع تحمل نفقات حرب جديدة وهو الذي تراجع مستوى معيشته بصورة مخيفة مع تقلص فترات دورة الحرب التي تحولت إلى دوامة لا طاقة، على ما يبدو، للطبقة السياسية الأمريكية الحاكمة، على الخروج من أسرها . فما من رئيس أمريكي جاء الى الحكم من دون أن يدخل بلاده في حرب خارجية واحدة أو اثنتين قبل مغادرته منصبه، وذلك انصياعاً لإملاءات ثقافة القوة والشعور بالتفوق Superiority، وذلك باستثناء الرئيس جيمي كارتر الذي خرج "خالي الوفاض من هذا المولد"، إذا ما اعتبرنا القتلى الثمانية الذين قضوا في المحاولة الأمريكية الفاشلة لتحرير رهائن السفارة الأمريكية في طهران، عملية إنقاذ محدودة لمواطنين أمريكيين محتجزين تقع مسؤولية تحريرهم على عاتق حكومة بلادهم .
كل هذه المتناقضات تطرح تساؤلات حول مدى فرص نجاح قوات التحالف الدولي في إلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" . فباستثناء النجاح الواضح الذي يسجل للولايات المتحدة وحلفائها في تمكين وحدات الشعب الكردي من دحر قوات "داعش" وإخراجها من مدينة "عين العرب"، بفضل الضربات الجوية المركزة التي وجهتها طائرات الحلف لقوات "داعش" داخل وعلى تخوم المدينة، فإن قيادة قوات التحالف توقف هجماته وتقدمه في العمق العراقي .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"