خطاب الحب في ندوة الثقافة والعلوم

04:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
أصبحت دار ندوة الثقافة والعلوم في دبي مركزاً مهماً من مراكز نشر الثقافة والفكر النيرين ليس في الإمارات وحدها بل في الاقليم الخليجي، وهذه الدار التي تتميز بمبانيها الجميلة التي تعكس العمران الحضاري الخليجي، أصبحت في الحقيقة مضرب المثل لما ينبغي أن يكون عليه التراث العمراني من أصالة وجمال وفن وذوق راق . والحقيقة أن تجسيد هذا العمران الرائع وتصميمه على هذه الشاكلة المبهرة يعود الفضل فيهما إلى الفنان والأديب والموسوعي بوأحمد، محمد المر، الذي طرح فكرة المبنى وتصميمه وتابع تنفيذ العمل فيه من المنشأ وحتى الاستكمال والافتتاح، وأصبح هذا المبنى معلماً تفتخر به دبي، وتفتخر به الإمارات أمام من يأتي إلى هذه البلاد ويبحث عن معالمها العمرانية الحضارية الأصيلة . .
ولا يمر أسبوع في هذه الأيام إلا وفي دار الندوة تجمع ثقافي عالي المستوى . وكانت آخر فعالية رائعة نعمنا بها نحن رواد هذه الدار هي احتفالية طيران الإمارات للأداب، على مدى ثلاثة أيام جاء إليها كتاب عالميون من مختلف بلاد العالم في تظاهرة ثقافية متعددة المشارب عكست ما في هذه البلاد الطيبة من تجانس فكري إنساني السمة بين المقيم والزائر، مما جعل القلوب تهفو إليها، وتحقق قول الشاعر الإماراتي بن قمبر الذي وصف دبي، بأنها "ذي ديرة ينصى لها كل مرار" ويعني الشاعر أن كل زائر للمنطقة لا بد أن يأتي إلى دبي . . وما دمنا في ذكر احتفالية طيران الإمارات للأداب، فإني أرى من الواجب أن نشيد بسيرة مواطنة صالحة هي أم منصور، إيزابيل بالهول، التي تجعل لهذه الإحتفاليات في كل عام جاذبية خاصة لما تضيف هذه السيدة الفاضلة عليها من رونق وبهاء وجهد تستحق عليها الثناء العاطر، كما تمثل هذه السيدة نموذجاً للتقارب الثقافي بين الأمم وتزيل من النفوس ما يعلق بها من شوائب الدرن العنصري والطائفي، وما شابه ذلك من القبائح التي لا تليق بالإنسان المعاصر المتمدن . ومن محاسن المصادفات أن تعقد في الأسبوع نفسه في دار الندوة، ندوة عن ثقافة الكراهية التي ينشرها هذه الأيام المتطرفون باسم الدين وباسم الطوائف الدينية . وكان على رأس المتحدثين في هذه الندوة الدكتور عبد الحميد الأنصاري، المعروف في الأوساط الفكرية والثقافية الخليجية والعربية بأنه من أكثر الداعين إلى استبدال ثقافة الكراهية بثقافة المحبة والعيش السلمي بين الطوائف . وكان الدكتور الانصاري وزميلاه اللذان اشتركا معه، وهما الدكتور سعيد شاحد من المغرب والدكتورة أمل بالهول من الإمارات، قد تطرقوا إلى هذا الموضوع الذي يشغل بال الجميع هذه الأيام، بسبب الحروب والارهاب التي تديرها المنظمات المتطرفة ووجوب التكاتف من أجل الوقوف في وجهها والحد من غلوائها .
وفي رأيي الشخصي، أن نزعة الكراهية ليست محصورة في التطرف الديني، بل هناك أسباب لا تقل خطورة وبلاء عن خطاب التطرف الديني، وأهم هذه الأسباب هو خطاب التطرف الاجتماعي أيضاً المتثمل في القبلية والعشائرية التي يلجأ إليها كثر في أوساط بعض المجتمعات التي لم تتهذب طباعها بالمدنية في الجزيرة العربية وإفريقيا وبعض الحواضر العربية كالعراق على سبيل المثال، وهي الأماكن التي تلعب فيها الفئوية القبلية والطائفية دوراً اجتماعياً وسياسياً في أوساطها، ما أدى في بعض الأماكن إلى تكتل قبلي وفئوي مقابل التكتل الديني المتمثل في الجماعات الدينية والجماعات الأكثر تطرفاً منها .
ومن الدروس المستفادة التي قد يتغافل عن سلبياتها بعض من شغلتهم الجماعات الدينية وما ترتكبه من أعمال لا تتناسب مع الكرامة الإنسانية هذه الأيام، أن بلداً في المنطقة حاول تقليص نفوذ المعارضة الليبرالية والقومية وخلق معارضة من الدينيين والقبليين فنجحت في إقصاء الأولين، ولكن الأمر أدى إلى تقوية الجماعات القبلية والدينية التي أصبحت شوكة في جنب الدولة، حتى أن البعض تحدى سلطة الدولة والشرطة وأجهزتها في حادثة تناولتها وسائل الإعلام، ومن هنا يتضح أن خير ما تفعله المجتمعات الخليجية هو ترسيخ الخطاب المدني وبناء الإنسان الخليجي، على أسس من المواطنة المدنية وسيادة القانون وهمينته بعيداً عن عنعنات القبلية والفئوية بكل أشكالها وشرورها .
وليس من تكرار القول أن نشير إلى أن الإنسان الواعي لا يستبدل السيئ بالسيئ وإنما بالسيئ الحسن والأحسن، والأحسن هو خلق الأجواء الملائمة للعيش في ظل نظام تسوده المساواة والعدالة ومحاربة الفقر والجهل وترسيخ ثقافة التعددية، والتعددية في إطار من الحضارة، واحترام حقوق الإنسان، كائناً من كان، ولنشد على يد من ينشر ثقافة الحب والتقبل في المجتمع، ويجعل من الإمارات واحة للسلام والأمان والعيش الهانئ، ولننبذ ثقافة الكراهية بكل أشكالها وألوانها، ونقول لمعتنقي ثقافة الكراهية والمؤمنين بها، إنكم على خطأ وسوف تصبحون على ما تفعلونه نادمين .

عبد الغفار حسين
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"