حتى لا يربط «داعش» المشرق العربي بمغربه

02:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول

لم تستأثر اجتماعات عسكرية غربية مهمة، التأمت في يناير/كانون الثاني الماضي، باهتمام مناسب من وسائل الإعلام. من بينها اجتماع لأركان الحلف الأطلسي، وآخر ضم وزراء دفاع كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأستراليا وهولندا. في الاجتماعين، كان موضوع «داعش» محور المداولات والإجراءات التي اتخذت.
لكن الاجتماع الأهم، انعقد في باريس سراً، في ال 20 من الشهر الماضي، بين رئيس الأركان الأمريكي جوزف دانفورد ورئيس الأركان الفرنسي بيار دوفيلييه. ووضعت خلاله الخطوط العريضة لحملة عسكرية مشتركة، ضد «داعش» في ليبيا لمنعها من التمدد نحو الساحل الإفريقي، وبالتالي الائتلاف مع المنظمات الأخرى العاملة في المنطقة.
وتؤكد صحيفة «لوكانار أونشينيه» الفرنسية الوثيقة الاطلاع، التي نشرت الخبر، أن القوات المشتركة من البلدين تقوم منذ أشهر بطلعات جوية فوق الأراضي الليبية، ترصد من خلالها تحركات «داعش»، وتحدد الأهداف التي يترتب قصفها، بما في ذلك قادة التنظيم الذين ستطاردهم وفق الصحيفة، طائرات من دون طيار، فضلاً عن منع ضباط عراقيين من قادة «داعش» في بغداد، وصلوا بأمان إلى الشواطئ الليبية، بحثاً عن وسائل مالية يحتاجها التنظيم بعد شح موارده في بلاد الرافدين، أي منعهم من تحقيق هذا الهدف.
يتم ذلك كله بلا اتفاق مع الأمم المتحدة، استمراراً لسيناريو الاجتياح الغربي، الذي أطاح العقيد الراحل معمر القذافي. معروف أن «داعش» كان بارك إنشاء ثلاث ولايات في شمال إفريقيا، هي بيت المقدس في سيناء، وولاية درنة في ليبيا، وأجناد الخلافة في الجزائر، ما يعكس نيتها لربط المغرب بالمشرق العربي، ثم الانطلاق نحو أوروبا، باعتبار أن المنطقة التي تسيطر عليها، مجاورة للقارة العجوز، ومنها انطلقت الغزوات الإسلامية نحو أوروبا وإليها جاءت الحملات الصليبية.
ما من شك في أن الاتفاق الفرنسي - الأمريكي على حملة عسكرية في ليبيا، سيستدرج مشاركة بريطانية وإيطالية مؤكدة، باعتبار أن البلدين، كانا إلى جانب فرنسا من القوى الكولونيالية، في هذه المنطقة، فضلاً عن تأثير ما يحدث فيها مباشرة في إيطاليا المجاورة وفي بريطانيا وأوروبا عموماً.
بيد أن الحملات الجوية لا تكفي للفوز بحرب معقدة ضد تنظيمات تحتمي بمدن محصنة بالعمران والسكان، وقد اختبرت الحملات الجوية ضد التنظيم نفسه في الأنبار العراقية، حيث تبين أن المجابهة الفاصلة تتم براً، وأنها وحدها الكفيلة بتحقيق نتائج حاسمة على الأرض، فهل يمكن توفر حملة برية في ليبيا؟
الجواب عن السؤال ليس سهلاً، لأسباب مختلفة، أهمها أن تفتت القوى الليبية، لا يتيح تشكيل قوة ضاربة تواكب الحملة الجوية الغربية المنتظرة. والقسم الأهم من الجيش الليبي، يقوده الجنرال خليفة حفتر، الذي لا يحظى بإجماع في البلاد، فإن تم اختياره قائداً للجزء البري من الحملة، فهذا يعني استبعاد الفئات الأخرى، التي قد لا تظل محايدة، وربما ترتد على التحالف، باعتباره نصيراً لحفتر. ومن غير المستبعد أن يؤدي هذا الأمر إلى تقارب بين الإخوان ممثلين بقوات فجر ليبيا، و«داعش»، وهما الآن على طرفي حرب وقتال.
وإذ يبدو الرهان على قوة ليبية برية بقيادة حفتر متعذراً، أو على الأقل لم يطرح من أي من الدول الغربية المعنية، فإن الحديث الطارئ عن تشكيل قوة برية من شمال إفريقيا، للتدخل في ليبيا يمكنه أن يعطي الحملة بعداً إقليمياً مهما، وبالتالي يعالج مشكلة حفتر.
بكلام آخر، يمكن للمصريين القول حقاً، إن مشكة الإرهاب في بلادهم، ناجمة عن الحدود الليبية المصرية المفتوحة، التي لا تستطيع ليبيا حلها في ظل الظروف الأمنية الصعبة والمعقدة، وبالتالي يحق لمصر، أن تفعل ما تراه ضرورياً داخل ليبيا، للحفاظ على أمنها، ولن تجد اعتراضاً دولياً، أقله من الدول الغربية التي تميل إلى الشراكة في هذه الحملة مع الجيش المصري المدرب الذي يحسن الحرب البرية في المناطق الصحراوية.

علماً بأن القيادة المصرية تحدثت صراحة عن تشكيل قوة برية إفريقية لمجابهة التطرف والإرهاب، وأن لم تسم ليبيا فلن يخطئ أحد في تفسير الهدف المرجو من تشكيلها.
أما الحديث عن مشاركة الجزائر وتونس في القوة البرية، فما زال حتى اليوم افتراضياً، خصوصاً أن الجزائر اعتادت انتهاج سياسة عدم تدخل في شؤون أي من البلدان خارج حدودها، ولايوجد حتى يومنا هذا مثال عن حملات جزائرية على أي بلد، أو مشاركة جزائرية فيها.
وللعلم فقط، فإن تدخل القوات الجزائرية، في حادثة عين أم الناس، على الحدود مع مالي، تم في ظروف خاصة، اعتدى فيها مسلحون على مصنع للطاقة، واعتقلوا عدداً من الموظفين فيه، وبالتالي لم يمنحوا السلطات الجزائرية فرصة لغير حسم المشكلة بالقوة.
أضف إلى ذلك، أن الرأي العام الجزائري، قد لا يستسيغ القتال تحت قيادة غربية أو خارجية، حتى لو كان الأمر يتصل بأكبر الدول العربية، والراجح أن تكتفي الجزائر في مثل هذه الحالات بحماية حدودها، في حين ليس معروفاً بعد الدور التونسي، خصوصاً أن تونس متضررة من الأعمال الإرهابية التي ينفذها «داعش» وبالتالي تحدوها الرغبة في التخلص من هذا التنظيم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"