مغامرة فاشلة سيكون لها ما بعدها

03:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول

فشل الزعيم الهنغاري المحافظ فيكتور أوربان في الحصول على نسبة 50 في المئة من المقترعين، لكي يتمكن من الوقوف بوجه الاتحاد الأوروبي في قضية توزيع اللاجئين على دول الجماعة الأوروبية بحسب مشيئة السلطات الاتحادية في بروكسل.
لم يكن الفشل عابراً، فقد اقترع نحو 39 في المئة من المسجلين بفارق 11 في المئة، وهو رقم مهم لأن هذه الفئة استجابت لدعوات المقاطعة اليسارية والحقوقية التي حثت الناخبين على مواجهة الاقتراع العنصري «ضد أناس لا نعرفهم».
وإذا كان الاستفتاء الفاشل يعد لاغياًً لأنه لم يحصل على نسبة النصف من عدد المسجلين على لوائح الاقتراع، فإنه لا يخلو من الأهمية بوصفه التمرد الأكثر وضوحاً على سياسة الاتحاد الأوروبي المركزية التي تقضم شيئاً فشيئاً من سيادة الدول الأعضاء على أرضها، ووفق قوانينها.
لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الاتحاد قرر العام الفائت إعادة توزيع نحو 160 ألف لاجئ يتجمعون على حدوده الخارجية، وبخاصة في اليونان وإيطاليا، وبالتالي تخفيف العبء الذي يتحمله مسؤولو الدولتين على غير صعيد.
معلوم أن هنغاريا تضم أقل من 10 ملايين نسمة، وتتجاوز مساحتها ال93 ألف كم، في حين أن عدد اللاجئين الذين اختيروا لإعادة الانتشار في أراضيها هم أقل من 2000 لاجئ، ويعد هذا الرقم ضئيلاً للغاية إذا ما قيس بألمانيا، التي استقبلت منذ بداية الأزمة السورية نحو مليون لاجئ.
اضف إلى ذلك أن هذا البلد لا يعاني صعوبات اقتصادية، فهو واحد من ثلاث دول الأكثر بحبوحة في ما كان يعرف من قبل بأوروبا الشرقية، فضلاً عن حاجته لليد العاملة، فهو يكاد يخلو من البطالة، وتقفل بعض فروع الشركات فيه بسبب النقص في العمالة، ما يعني في هذه الحالة أن اللاجئين يمكن أن يساهموا في تطوير اقتصاد البلاد، ويراكموا القيمة المضافة، وحجمهم الصغير جداً يتيح دمجهم في مساحته الكبيرة للغاية قياسا بعدد سكانه، حيث تحتل هنغاريا المرتبة 93 في قياسات الكثافة السكانية بمعدل 107 مواطنين في الكلم المربع.
إن فشل الاستفتاء الهنغاري لا يطوي مشكلة اللجوء والهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي، بل يمكن أن يفتح صفحة جديدة لا تحتاج إليها دول الاتحاد في الظروف الراهنة، واعني بذلك منازعة السلطة الاتحادية صلاحياتها بحجة السيادة الوطنية، فالسير على خطى هنغاريا يعني أن دولً أخرى في الاتحاد قد تلجأ غداً إلى تنظيم استفتاءات لرفض قرارات اتخذتها المفوضية الأوروبية في قضية اللاجئين، أو في قضايا أخرى. ولنتخيل نجاح هذه الاستفتاءات، وبالتالي اعتبار المعنيين بها أنها بمثابة «رخصة» لرفض إجراء اتحادي، فما الذي يبقى من سلطة الاتحاد الضعيفة أصلاً بنظر هواة المشروع الأوروبي؟ وكيف يتخذ من بعد إجراءته؟
إن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ينطوي في أحد وجوهه على احتجاج يشبه الاحتجاج الهنغاري. ذلك أن بريطانيا تقدمت بطلبات من الاتحاد لم يستجب لها، أو استجاب جزئياً، فكان أن نظمت استفتاء للبقاء فيه أو الخروج منه، بحجة السيادة الوطنية البريطانية.
نعم، لا تريد هنغاريا الخروج من الاتحاد الأوروبي، وإنما «الضغط على النخبة الأوروبية في بروكسل» لكي تتخذ إجراءات مفيدة للشعوب، ولا تتعارض مع سيادة الدول، علماً بأن الانتماء للاتحاد يعني عملياً ضعف السيطرة على السيادة الوطنية في العديد من القضايا، وبالتالي إتاحة المجال أمام دوله كي تنهض عبر هذه المنظومة وليس عبر أنشطة فردية لدول ما عاد بوسعها أن تحتل موقعاً أساسياً في هذا العالم منفردة.
لكن ماذا بعد هذه الخطوة، وهل يلجأ الأعضاء إلى استفتاءات مشابهة؟
الجواب عن السؤال ليس سهلاً في قضية شديدة التعقيد كالقضية التي نحن بصددها. لكن ربما يكون من السهل حصر بعض آثارها في الخطوط العامة التالية:
أولاً: تشجيع التيار العنصري والسيادي في الاتحاد الأوروبي الذي يرفض الصيغة الاتحادية على الاعتراض على إجراءات الاتحاد باستفتاءات سيادية، وبالتالي وضع السيادة الوطنية في مواجهة السياسة الاتحادية، وإن تم ذلك فهذا يؤدي إلى تقويض الاتحاد، وهذا لا يؤرق العنصريين ولا يقض مضاجعهم، بل هم يبحثون عنه.
ثانياً: ستؤدي مبادرات من هذا القبيل إلى إقفال القارة الأوروبية على نفسها والى استئناف صراعاتها الكلاسيكية القديمة لأن الإفراط في السيادة سيدفع بالأولويات الوطنية إلى الأمام، ومن ثم تثبيت الحدود في وجه الجيران الأقرب، ثم الأقرب، ما يعني الدخول في سيرورة خطرة على مصير الدول نفسها، هذا إن سلمنا جدلاً بأنها قادرة على اجتياز المرحلة السيادية بنجاح.
ثالثاً: إن نجاح التيار السيادي سيؤدي إلى انشقاقات داخل كل قطر بين مؤيد ورافض للاتحاد، وبالتالي إلى تهديد وحدة المجتمعات في الدول المعنية، وبما أن هذه الدول ما عادت قادرة على خوض حروب ناجحة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بحثاً عن الثروات والسيطرة، وبالتالي إخماد التناقضات الداخلية، فإن انقساماتها لن تبقى لطيفة وقابلة للتجاوز، فضلاً عن أن انهياراتها الاقتصادية المحتملة قد تترك آثاراً قاصمة على وحدتها وتماسكها.
رابعاً: إن أي إصلاح أو تعديل لدستور الاتحاد يقلل من سيادته تحت ضغط العنصريين والمتشددين، أو غير الراغبين في الخضوع لإجراءاته هو بمثابة تراجع خطر إلى الخلف تحت طائلة الخطر الوجودي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"