عن مرشح فرنسي يحب العرب

04:22 صباحا
قراءة 4 دقائق

أعطانا العرب الطب والعلوم قبل عصر الأنوار . لا مستقبل لفرنسا من دون العرب . تجمعنا بالمغاربة رابطة الأخوة . . أطلق هذا الاعتراف العلني الأول من نوعه في فرنسا جان لوك ميلونشون المرشح للرئاسة عن جبهة اليسار الفرنسية المكونة من أحزاب وجمعيات يسارية مختلفة من بينها الحزب الشيوعي الفرنسي واليسار الاشتراكي وحزب اليسار وجزء من التروتسكيين ومن أنصار البيئة . وتعطيه استطلاعات الرأي المرتبة الثالثة في الرئاسيات المقبلة بعد الاشتراكي فرانسوا هولاند والديغولي نيكولا ساركوزي .

وإذا كان صحيحاً أن ميلونشون أطلق العبارة في مدينة مارسيليا في جنوبي فرنسا، حيث يكثر الوجود العربي، وحيث الميناء الواصل بين فرنسا وشمالي إفريقيا، وإذا كان صحيحاً أيضاً أن المرشح الراديكالي يراهن على كسب أصوات الفرنسيين من أصل عربي، فالصحيح أيضاً أنه قيل أمام 120 ألف مواطن احتشدوا في المدينة التي تضم تياراً مؤيداً لليمين المتطرف بقوة، ومناهضاً للعرب، ما يعني أن المرشح المذكور ملتزم تماماً بما قال، وهذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها إلى العالم العربي . ففي مناسبة أخرى خلال لقاء مغلق مع الصحافيين خصصه للسياسة الدولية، قال ميلونشون حرفياً إن لامصلحة لبلاده في أن تضع نفسها في الوسط بين السنة والشيعة، وإنه عازم على انتشال فرنسا من هذا الموقع إذا ما فاز برئاسة الجمهورية . وأكد امتعاض ناخبيه من علاقة التبعية التي تربط بلاده بالولايات المتحدة الأمريكية .

يذكر في هذا السياق أن الرجل تلقّى تأييداً من رئيس الإكوادور وتحيات من إيفو موراليس وهوغو تشافيز، وهو معروف بمواقفه الرافضة لإدانة كوبا، فقد انسحب من البرلمان الأوروبي عام 2010 احتجاجاً على منح صحافي كوبي منشق جائزة ساخاروف الأوروبية . هذا فضلاً عن تأكيده أنه لا يعد النظام الكوبي ديكتاتورياً، وأن التشدد القائم في هذا البلد مرده إلى الحصار الأمريكي المفروض عليه منذ خمسين عاماً . كما امتنع عن مقاطعة الألعاب الأولمبية في الصين الشعبية بسبب قضية التيبت رافضاً إقامة دولة دينية في هذه المقاطعة .

وتنسجم مواقف ميلونشون الخارجية مع برنامجه الانتخابي الداخلي، فهو يرفض الخضوع لالأوليغارشية التي سيطرت على فرنسا، ويريد تقاسم الثروة الوطنية التي ما كانت يوماً طافحة في تاريخنا كله كما هي اليوم، وما كان التشارك فيها سيئاً في تاريخنا كما هو اليوم، حيث تسيطر أقلية ضئيلة على الثروة وتحرم القسم الأعظم من عدالة التشارك فيها، وهو يدعو إلى إنشاء جمهورية سادسة تحرر فرنسا من المونارشية الرئاسية وتعيد السلطة إلى الشعب على حد تعبيره، وينال من دستور الجمهورية الخامسة الذي وضعه الجنرال ديغول، والذي يعطي الرئيس الفرنسي صلاحيات أشبه بصلاحيات الملوك .

وتتناسب هذه الشعارات مع جزء من تاريخ هذا الرجل المولود في طنجة في المغرب الأقصى، والذي جاء إلى فرنسا في سن الحادية عشرة بعد انفصال والديه، وهو يختلف عن القسم الأعظم من النخبة السياسية الحاكمة يميناً ويساراً، فهو حاصل على إجازة في الفلسفة وقد عمل في شبابه في محطة وقود وفي قسم التصحيح اللغوي في إحدى المطابع، وعمل أيضاً في الصحافة الإقليمية والحزبية، وفي التعليم، قبل أن يلتحق بالحزب الاشتراكي الفرنسي ويصبح منتخباً محلياً ثم عضواً في مجلس الشيوخ ووزيراً للتعليم المهني، وهو اليوم بعد انفصاله عن الحزب الاشتراكي نائب في البرلمان الأوروبي، علماً أنه انتمى في شبابه إلى المحفل الماسوني، وإلى التيار التروتسكي، الأمر الذي أتاح له اكتساب تجارب غنية على كل صعيد، وقد حافظ على مبادئه ولم يستخدم السياسة لتجميع ثروة طائلة، إذ تؤكد صحيفة الإكسبريس أنه يملك شقة في باريس لم يفرغ من تقسيطها بعد، ويملك منزلاً في الريف لا يتعدى ثمنه ال125 ألف يورو، ما يعني أن التطابق بين شعاراته ومواقفه وبين وضعه الاقتصادي متناسب إلى حد كبير .

لقد جعلت سيرة ميلونشون ومواقفه الراديكالية الحملة الانتخابية تدور عملياً حول إيقاعه، لا بل يظن البعض بأنه سيسجل اختراقاً غير متوقع ويخلط أوراق اللعبة الانتخابية مكرراً سيناريو العام 2002 عندما تنافس اليمين الديغولي مع اليمين المتطرف في الدورة الثانية لرئاسيات العام المذكور وغاب اليسار ممثلاً حينذاك بليونيل جوسبان، ويأمل محبو الرجل أن يكون سيناريو العام الجاري معكوساً .

واللافت في هذا الصدد أن العرب الذين يكثرون الحديث عن وجوب تنظيم لوبيات في الغرب للدفاع عن مصالحهم يبدو أنهم لم يسمعوا بعد بهذا المرشح الظاهرة الذي يملأ الحملة الفرنسية ضجيجاً وصلت أصداؤه إلى بوليفيا، ولم تصل بعد إلى فضائياتنا الموقرة المنشغلة بالفتن والمؤامرات . والراجح أن عرب هذه الأيام ينظرون إلى فرنسا بعيون عرب الأيام الماضية الذين اعتقدوا مخطئين أن الديغولية مؤيدة لهم والاشتراكية مناهضة لقضاياهم . وبما أن الرئيس ساركوزي يزعم أنه ديغولي فهو يحظى بتأييد عربي شبه تام يحجب الرؤية عن كل ما عداه . لا ليس ساركوزي ديغولياً وليس مؤيداً للعرب وليس اليسار الفرنسي مؤيداً للصهيونية ومناهضاً لقضايانا . في كلا التيارين ينقسم الناس بين مؤيد ومناهض لهم مع فارق هذه المرة هو جان لوك ميلونشون الذي لا يطلب من العرب شيئاً ولا يخضع لأي من اللوبيات الفرنسية، بل يرى محقاً أن المصالح العربية والفرنسية المشتركة حاسمة في مستقبل بلاده ومستقبل العرب إن هم رغبوا! . .

متى تقرأون ما ينبغي أن يقرأ بعين فاحصة وناقدة؟ متى تنتبهون إلى أن ديغول مات وعصره ما عاد قائماً وسياسة بلاده العربية تغيرت من الضد إلى الضد؟ . . عسى أن تفعلوا مبكراً فنلتقي مع هذا الرجل الصادق في منتصف الطريق .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"