كابوس الهجرة في صندوق الانتخاب الفرنسي

03:14 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول
مازالت ارتدادات الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح اليمين لرئاسة الجمهورية في فرنسا تتفاعل، جراء المفاجأة التي أحدثها اختيار فرانسوا فيون مرشحاً عن اليمين الديغولي، وهو الذي كان حتى عشرة أيام قبل الاقتراع مصنفاً في مرتبة ثالثة، أو رابعة، بعد الان جوبيه ونيكولا ساركوزي. لكن المفاجأة نفسها خرجت عن الإطار الفرنسي، وأدرجت ضمن سياق غربي انطوى على مفاجآت مماثلة، اعني بذلك انتخاب دونالد ترامب الذي لم يكن متوقعاً، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصول يميني متطرف في النمسا إلى حافة الرئاسة الأولى.
إن البحث في مجمل هذا المفاجآت يكشف النقاب عن عناصر مشتركة فيها تضاف إلى عناصر خاصة بكل حالة على حدة، ومن بينها قضية الهجرة الأجنبية، والمشكلات والتحديات التي تطرحها على البلدان المعنية. ففي الولايات المتحدة شدد ترامب خلال حملته الانتخابية على المهاجرين المكسيكيين، وعلى المسلمين، ووعد بإقامة حائط على طول الحدود الأمريكية - المكسيكية، وقال إنه لن يسمح بدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وإن كان قد تراجع من بعد، لكن سقف تشدده ظل مرتفعاً. واللافت في هذا الصدد أن حديثه العدائي للمهاجرين أغرى فئات شعبية تتوهم أن المكسيكي يهدد هويتها الأمريكية ولغتها وثقافتها.. إلخ، في حين أن مصالح الفئات الشعبية نفسها التي اقترعت له ستتضرر من برنامجه الليبيرالي، ولكنها فضلت الضرر الاقتصادي على الضرر «الوجودي»، إن جاز التعبير.
وفي بريطانيا اقترعت فئات شعبية لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي بسبب طغيان موضوع الهجرة على غيره من المواضيع خلال الحملة التمهيدية. والواضح هنا أيضاً أن شعارات تضليلية من نوع أن المهاجر البولوني «مغتصب» للنساء، والمهاجر الصربي «لص»، وآخر «لا تؤمن له للدخول إلى بيتك»، والرابع يعتدي عليك في الشارع، والخامس يهدد هويتك. كل ذلك ساهم إلى حد كبير في دفع أغلبية من البريطانيين إلى الاقتراع لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، علماً بأن الاتحاد نفسه فشل مراراً في معالجة قضية اللاجئين الأجانب من سوريا والعراق وأفغانستان وإفريقيا، وسائر البلدان التي عانت، وتعاني حروباً ومجاعات.
وفي فرنسا، تكاد الصورة نفسها تتكرر مع فرانسوا فيون الذي اختاره اقتراع مفتوح ليكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية يتمتع بحظوظ واسعة لولوج الإليزيه في رئاسيات الربيع المقبل. لكن هنا لا بد من التوقف عند نسبة الاقتراع الشعبي لمصلحة رئيس الوزراء الأسبق في عهد نيكولا ساركوزي. فقد بينت خريطة الاقتراع أن 2 في المئة من الأصوات في حي شعبي من أحياء العاصمة الفرنسية قد استقرت في خانة فيون، فيما وصلت نسبة المقترعين له في الأحياء البرجوازية إلى أكثر من 50 في المئة. ولعل النظرة الأولى إلى هذه الطريقة في التصويت تفيد عكس الحال الذي ارتسم في بريطانيا وأمريكا، بل تزيد ابتعاداً عنها إذا ما أخذنا في الاعتبار أن شعارات فرانسوا فيون الكبيرة تلحق ضرراً كبيراً بالفئات الشعبية، اعني بذلك شعار تخفيض الوظائف بحجم 500 ألف وظيفة، أو إحداث إصلاحات جذرية في نظام الضمان الصحي والاجتماعي، وهذه الإصلاحات تطال الفئات الشعبية بالدرجة الأولى فيما إصلاحات أخرى ينادي بها تتناسب مع مصالح الطبقات البرجوازية، وبعض فئات البورجوزاية الصغيرة. وفي المحصلة قد يبدو المثال الفرنسي مناقضاً للمثالين الأمريكي والبريطاني، بيد أن التعمق في قراءة اتجاهات الرأي العام في فرنسا تفيد بأن الفئات الشعبية الفرنسية قد تميل في وقت ما لمصلحة فيون للأسباب نفسها التي برزت في بريطانيا والولايات المتحدة، أي بسبب الهجرة الأجنبية والمهاجرين الأجانب، فضلاً عن تداعيات الأعمال الإرهابية الأخيرة على مزاج الناخبين، خصوصاً أن المنفذين كلهم ولدوا وعاشوا في فرنسا وأوروبا ويحملون جنسيتها، أو أوراق إقامة شرعية فيها.
بكلام آخر، ثمة قراءة تقول إن الناخب الفرنسي من الفئات الشعبية قد يجعل أولويته الأولى قضية الهجرة والمهاجرين الأجانب كمقياس للتصويت، بدلاً من الاقتراع وفق مقاييس خاصة بمصلحته الاقتصادية، إذ إن الشائعات المنتشرة في الأوساط الشعبية تقول إن الأجانب يبالغون في الضغط على النظام الصحي والضمان الاجتماعي، وإنهم يتسببون بخسارة المليارات سنوياً في هذا النظام، وبالتالي فإن إصلاحه يمكن أن يحرم غيرهم من الأجانب من مغريات الاستقرار في فرنسا. معنى ذلك أن الاقتراع الشعبي، وإن كان جزئياً، قد يساعد فيون على الفوز بالرئاسة الأولى في الربيع المقبل.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذه المعادلة هو رد فعل اليمين المتطرف الذي بنى استراتيجيته على العداء للأجانب، وعلى رفض الهجرة والخروج من الاتحاد الأوروبي. فلماذا تقترع الفئات الشعبية لمصلحة فيون، ولا تقترع لمصلحة مارين لوبن؟
الجواب ليس معقداً، ذلك أن اليمين المتطرف تعاطى مع قضية الأجانب والهجرة الأجنبية بشعارات عنصرية، في حين يقدم فيون نفسه بوصفه ديمقراطياً كارهاً للعنصرية والعداء للأجانب، أي أنه يريد إبعادهم عن فرنسا لضررهم الاقتصادي، وليس بسبب العرق، والجنس، واللون، وهنا فارق مهم. والراجح أن يتسبب ذلك بحرج للمتطرفين الذين قد ينتقلون إلى الضفة الأخرى لمواجهة فيون، فهم أيضاً يستقطبون فئات شعبية وربما سنجدهم يدافعون عن الضرر الذي سيلحق بها جراء الإصلاحات التي يريد تطبيقها في أجهزة الدولة، والضمان الصحي والاجتماعي.
ما من شك في أن قضية الهجرة والمهاجرين الأجانب ستحتل مرتبة متقدمة في الانتخابات الفرنسية المقبلة، كما احتلت من قبل مراتب مماثلة في أمريكا وبريطانيا، وهذا يعني أن الغرب ترتعد فرائصه من الأجانب بعدما اعتلى قمة النظام العالمي عبر استغلالهم واستعمارهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"