نجاح استراتيجي مشروط

05:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول

ربما لم يقدر الإعلان الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران في موسكو في 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي حول سوريا ما يستحق من التقدير، وبالتالي ما قيست أهميته بالحجم الذي تستحقه، خاصة أن ما تلاه، وأعني بذلك وقف النار على كافة المحاور السورية، يفصح عن سطوة هذا الإعلان وعن كونه وثيقة أساسية في التعاطي مع الأزمة السورية من الآن فصاعداً وربما في التدخل من بعد في أزمات أخرى في الشرق الأوسط. ولعل حضور وزراء الدفاع في البلدان الثلاثة إلى جانب وزراء الخارجية، يراد منه القول لمن يرغب، أن وسائل الإعلان العسكرية لا تقل أهمية عن وسائله السياسية.
في هذا السياق لا بد من التذكير بأهم عناصر الاتفاق الذي ينص على وحدة أراضي سوريا وسيادتها على كامل ترابها الوطني. تحل الأزمة السورية بالوسيلة السياسية. الأولوية الحصرية في الحرب هي مكافحة الإرهاب. وجوب انفصال المعارضة عن الإرهاب ممثلاً ب«داعش» و«جبهة النصرة». الدعوة لمفاوضات بين السوريين تمثلهم السلطة والمعارضة في «أستانا» في كازاخستان. يضمن الأطراف الثلاثة الاتفاق الذي يحظى بإجماع السوريين.
ينطوي إعلان موسكو على عدد من المتغيرات الأساسية في الصراع على سوريا والشرق الأوسط يمكن حصرها بالخطوط الآتية:
أولاً: هو الاتفاق الأول من نوعه في الشرق الأوسط الذي يشير إلى تراجع الدور الغربي في تقرير شؤون المنطقة. لقد فشلت الخطط الغربية خلال السنوات الخمس الماضية في إعادة ترتيب المنطقة وفق خطط جرى تسريبها في مناسبات مختلفة. والواضح أن هذا الفشل هو امتداد لفشل حربي العراق وأفغانستان. ولعله نتيجة أساسية من نتائج الانتقال الاستراتيجي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط إلى بحر الصين.
ثانياً: يتيح الاتفاق إعادة تموضع تركي يحتاجه الرئيس أردوغان الذي فشل في دمج بلاده في الاتحاد الأوروبي ولم يتمكن من إطلاق مشروع شرق أوسط إسلامي بقيادة تركيا وبواسطة الإخوان المسلمين، ناهيك عن تراجع قوة بلاده بعد الانقلاب الفاشل الذي أفضى إلى إضعاف أسلحة أساسية في الجيش التركي على رأسها سلاح الطيران. ويتناسب التموضع التركي الجديد مع الفشل الغربي الذي ترك فراغاً كبيراً كان من الطبيعي أن تملأه الأطراف الثلاثة.
ثالثاً: يتيح الاتفاق مساحة نفوذ كبيرة لروسيا التي أعادت الاعتبار ليس فقط لموقعها المتوسطي الوحيد في المنطقة وإنما أيضاً لجوارها المباشر، وأعني بذلك كازاخستان البلد الأقرب إلى موسكو في آسيا الوسطى، وذلك عبر رعاية الحوار السوري- السوري في العاصمة الكازاخستانية الجديدة. يمكن لبوتين أن يبين لمن يرغب، في أن استخدام أوكرانيا وجورجيا للتدخل في شؤون بلاده، كلف الأوكرانيين والجورجيين أثماناً باهظة، وانتهى إلى فشل ذريع، فيما الإخلاص الكازاخي تكلل بدور أساسي في حل الأزمة السورية، هذا فضلاً عن أهمية حل هذه الأزمة في فضاء تركي الأصل، يقع على مقربة من الحدود الإيرانية.
رابعاً: إن تشديد الاتفاق على علمانية الدولة السورية يخرج المستقبل السوري من الأطر الطائفية، ويجنب هذا البلد مصيراً فيدرالياً طائفياً وإثنياً على غرار الفيدرالية العراقية.
خامساً: بات الاتفاق يحظى بشرعية أممية من خلال مباركة الأمم المتحدة لوقف النار في مختلف الأراضي السورية، وإبقاء الجبهات مفتوحة مع مواقع النصرة وداعش حصراً. ومن المتوقع أن يتسع الدور الأممي لاحقاً، إذا ما التزمت الترويكا بما أعلنته من أن نجاح مفاوضات «أستانا» سيؤدي حتماً إلى ربطها بالمسار الذي حدده المبعوث الدولي للأزمة السورية ستيفان دي ميستورا في شباط - فبراير القادم لاستكمال المفاوضات السورية - السورية.
سادساً: يتيح الاتفاق دوراً روسياً على الصعيد العالمي هو أقرب إلى الدور الذي كانت موسكو تلعبه خلال العهد السوفييتي، لكنه في الوقت نفسه يمكن أن يستدرج ضرباً من ضروب الحرب الباردة، والمزيد من العقوبات التي قد تلحق ضرراً كبيراً في الداخل الروسي إذا ما تفاقمت، وربما تؤدي إلى ضرر اجتماعي يضعف استراتيجية بوتين.
سابعا: يعاني اتفاق الترويكا خطر إطالة الحرب سواء عبر بطء الغربيين في التصدي للإرهاب، أو عبر استمرار الجبهات السورية مشتعلة لوقت أطول. بكلام آخر لا يلعب الوقت لصالح الترويكا التي تحتاج إلى تصفية الأزمة السورية خلال أمد محدود حتى تكون كلفتها منخفضة على كل صعيد.
ثامناً: من غير المستبعد أن يمتنع الغربيون من المشاركة في تغطية تكاليف إعادة الإعمار في سوريا إذا ما تضمنت التسوية بنوداً لا تتناسب مع الشروط الغربية للحل. في هذه الحال لن يكون بوسع الروس تحمل كلفة إعادة الإعمار بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة وكذا الحال بالنسبة للإيرانيين، في حين لن يخوض الأتراك سباق إعادة إعمار بلد لا يعتبرونه صديقاً.
ثمة من يعتقد بأن الغرب قدّم للروس هدية مسمومة في سوريا فهي مغرية وجذابة في حسابات الجغرافيا السياسية، ولكنها تنطوي على ورطة حقيقية من جهة الكلفة الاقتصادية الطويلة الأمد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"