لستُ منهم

05:13 صباحا
قراءة دقيقتين
نور المحمود

ليست كل المرايا عاكسة لصورة وحقيقة الواقف أمامها ومن يتأملها. بعضها مخادع، أو ربما يعكس الصورة التي يريد المرء أن يراها في مرآته. وهذه الصورة لا تكون بالضرورة هي نفسها التي يراها الآخرون على شكلها.
هناك من يرى صورته أقل مما هي عليه قدراً وشأناً وحتى جمالاً، والبعض الآخر تزداد لديه جرعة الثقة بالذات، فيرى نفسه أهم وأجمل وأعلى من حقيقته ومن مستواه، ونعني مستوى الفكر والأخلاق والتعامل في المجتمع وفي العمل، وكل التركيبة التي تشكّله..
«لستُ منهم»، كلمة نرددها كثيراً، نبتعد فيها عما يُنسب للآخرين، وكأننا نبرئ أنفسنا من تهمة ما. أغلبية العيوب التي نراها فيمن حولنا وفي الغرباء عنا، نشعر بأنها لا تشبهنا أبداً، وأننا معصومون عنها لا محال.
كل خطأ يحصل في المجتمع، ننتقده ونسترسل بكل ثقة، «فأنا لستُ منهم، وعلى هؤلاء أن يفعلوا كذا وكذا كي تنصلح الأحوال». قد نكون على حق، وربما نكون من المخطئين، ولكننا لا نرى أنفسنا أبداً في صفوفهم، لأننا في عيون مرايانا معصومون عن الخطأ، وننشد الفضيلة باستمرار؛ أو أننا من «المقهورين» دائماً.
منذ الطفولة يشعر الإنسان بشيء من الظلم يطارده أينما حلّ، وكأن الكون يتربص به، في المدرسة هو الطالب المقهور بينما زملاؤه مدللون من المدرسين والإدارة وينجحون بلا أي مجهود؛ في البيت هو الابن المسلوبة حقوقه والممنوحة لإخوته وأخواته بلا أي ذنب؛ في العمل هو الموظف المغبون على الرغم من كل طموحه واجتهاده؛ في الشارع هو المتضرر وسط زحمة السير، لأنه الملتزم المنضبط بينما الآخرون متجاوزون متحايلون؛ في الدوائر الحكومية هو المتعطلة أوراقه والكل يدخل ويخرج بسلاسة.. وإذا شعر كل منا بذلك، فمن المتجاوز؟ ومن المتنمر؟ ومن الابن المحبوب أو المدلل؟ ومن الموظف المميز؟ ومن المخالف للقوانين؟
إذا كانت المرآة ترينا ما هو أقل أو أكثر مما نحن عليه، فهل في العيون مرآة تعكس حقيقة ما يجري حولنا، وحقيقة الآخرين، أم أننا نراهم وفق ما تمليه علينا ذواتنا، ونشكل صورهم وفق أهوائنا؟
لا شك أنك لست منهم أحياناً، وأنك ترى الحقائق كما هي غالباً، وأن مرآة نفسك صادقة بقدر صدقك مع ذاتك، وبقدر جرأتك على مواجهتها والاعتراف بنقاط ضعفك.. عندها تقول «لستُ منهم» بثقة، وتكون محقاً وصورتك واحدة، في عيون نفسك وفي عيون الآخرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"