الشارقة في ساو باولو.. المعنى والمبنى والإنشاء

04:13 صباحا
قراءة 4 دقائق
حبيب الصايغ

بدأ مشروع الشارقة الثقافي والحضاري مع تولي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة مقاليد الحكم في العام 1972، وبدأ قبل ذلك يوم كان الدكتور سلطان طالباً في المدرسة والجامعة يتهيأ لحياة حافلة من التعب والصبر والإصرار والنبوغ، وعبر العقود الماضية، مضى صاحب السمو حاكم الشارقة أشواطاً بعيدة في التأسيس المستمر لمشروعه الثقافي، سواء على صعيد الإبداع الشخصي أو العمل الثقافي والتنموي بصورة شاملة، لكن العام الحالي 2018 يمثل، بحق، انطلاقة جديدة ومنعطفاً تاريخياً فارقاً، لجهة نضج واكتمال معظم عناصر هذا الملف، خصوصاً لجهة علاقته بالعالم وعالميته، ففي هذا العام تحققت فكرة الدكتور سلطان في التواصل الثقافي والمعرفي مع العالم على نحو غير مسبوق، وبعد أن كانت الشارقة ضيف الشرف المميز في معرض باريس الدولي للكتاب مارس / آذار الماضي، حلت ضيف شرف في معرض ساوباولو الدولي للكتاب، وهو المعرض الذي يوشك على نهاية دورته الخامسة والعشرين، وفيها طبقت فكرة «ضيف الشرف» للمرة الأولى، والقصد أن الشارقة كانت ضيف الشرف الأول في تاريخ هذا المعرض العريق.
قيل من قبل انطلاق مشاركة وفد الشارقة والإمارات في معرض ساوباولو كلام كثير، وقيلت تصريحات عديدة من الوفود المشاركة ضمن وفد الشارقة، وَمِمَا ورد في البيان الذي أصدره اتحاد كتاب وأدباء الإمارات قبل سفر وفده الذي ضم 12 كاتباً وشاعراً، أن حاكم الشارقة حقق أحلام المثقفين وترجمها إلى واقع. هذا ما كان قبل، لكن المشهد أبعد وأعمق، وليس من سمع وتوقع كمن رأى وتحقق. كان المشهد أقوى بكثير مما أوردته وسائل الإعلام خصوصاً الصحافة المقروءة، وربما سمحت فرصة قريبة بتناول «حديث الإعلام الثقافي» بشيء من التفصيل، لكن ما يسمح به المقام فهو هذا المختصر المفيد: مكان الإعلام الثقافي ضمن قطاعات الإعلام ليس في المكان الصحيح، وبالتالي ليس في المكانة الملائمة أو اللائقة، والأولويات داخل الإعلام الثقافي نفسه غير مرتبة ترتيباً صحيحاً.
بين الأهمية والضرورة، كان لحضور الشارقة والإمارات في ساوباولو رمزيته الطاغية، فبتوجيهات مباشرة من سلطان الثقافة والعلم، كانت الشارقة هناك، في البعيد الأبعد، وراء محيط كان العرب يظنون أنه الوهم المتلاطم أو بحر الظلمات، وإذا بالعالم، عبر العصور، يكتشفه اكتشافاً، ثم يعيد اكتشافه من جديد. هذه المرة، وعلى يد الدكتور سلطان، حصل العكس: البرازيليون اكتشفوا العرب من جديد، وأعادوا اكتشاف العرب من جديد، وكانت الشارقة هناك، بدءاً من مؤلفات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهي المترجمة إلى كل اللغات الحية في العالم، وقد رأينا بأم أعيننا مقدار إعجاب الجمهور البرازيلي بها، ومن أبدى إعجابه لدى إطلاعه وزير الثقافة الاتحادي ووزير الثقافة المحلي في ولاية ساوباولو، والسيدة الأولى قرينة حاكم الولاية، وعمدة ساوباولو، مرورا بترجمة 41 عملاً لمؤلفين إماراتيين وعرب من 8 دول عربية في الشعر والسرد والنقد والمسرح والتاريخ ضمن المشروع المشترك بين هيئة الشارقة للكتاب واتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
وكان مشهد توقيع المؤلفين الإماراتيين والعرب في جناح الشارقة في ساوباولو جميلاً ومعبراً عن طموح الإمارات والشارقة، وعن مدى رغبة صاحب السمو حاكم الشارقة في الحضور الثقافي والمعرفي وفِي مد الجسور مع الآخر، كما كان تمثيل التراث الإماراتي لافتاً عبر فرق الرقص والغناء الشعبيين التي أدت لوحاتها في أماكن متفرقة في مدينة ساوباولو وداخل المعرض أمام جناح الشارقة الذي يحمل علم دولة الإمارات، وصورتي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وكذلك من خلال عرض الزِّي النسائي الإماراتي، وأشغال المرأة التقليدية، وكان ذلك، إلى جانب إبراز دور المرأة وتمكينها بمشاركة فاعلة من المؤسسات الناجحة التي تشرف عليها قرينة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي.
المعنى حضور الإمارات والشارقة هذا الحضور المشرف المضيء في صميم العالم، والمعنى حمل اسم أعز وأغلى الناس، الشيخ زايد بن سلطان آلِ نهيان، طيب الله ثراه، في عام زايد، في مئوية زايد، في العقول والقلوب، وافتتاح أنشطة الشارقة في ساوباولو بندوة عن الشيخ زايد في الجانبين الأخلاقي والعملي، بتوجيهات من صاحب السمو حاكم الشارقة، والمعنى التأكيد على الحضارة والإرث الوطنيين والعربيين، والمعنى أن الثقافة في الواجهة والأولويات مطلقاً نحو تعميم الفكرة والمشروع عربياً، حيث يمكن البناء على ذلك المعنى، نحو تشييد المبنى الذي يماثل المعنى ويتماهى معه، مبنى الخير والحق والجمال والمحبة والصداقة والحريّة والمسؤولية، وكل ذلك نحو إنشاء مستقبل لائق للوطن العربي والإنسان العربي، مستقبل لا ينفصل عن النص العربي المبدع، والإنشاء الطالع من أعماق الروح وكأنه الروح، إنشاء التأسيس والحكمة والعقل والحوار.
التأكيد بعد ذلك على أن الدكتور سلطان وهو ينقل ثقافة العرب إلى العالم إنما ينجح، وباقتدار، في ما لم تقم به المؤسسات الثقافية العربية، أو ربما حاولته وفشلت، خصوصاً المنظمات العربية والإسلامية المشتركة، وخصوصاً منظومة وزراء الثقافة العرب، ومنظومة وزراء التعليم العرب، ومنظومة وزراء الإعلام العرب.
وليس من سمع كمن رأى.. ما حدث هذا العام في باريس ثم في ساوباولو مكسب عظيم لثقافة الإمارات خصوصاً، والثقافة العربية والإسلامية عموماً، ومن البدهي هنا ربط المعنى والمبنى والإنشاء بالقوة الناعمة لدولة الإمارات من جهة، وبتحسين صورة العرب والمسلمين المشوهة في العالم، فالعالم، إذا شئتم الحق، لا يعرفنا، وإذا استحضرنا فربما استحضر معنا تلك الصورة النمطية لذلك الإنسان الغارق في النفط أو المستغرق في الظلام والتطرف والإرهاب.
وليس من سمع كمن رأى.. لقد استطاع الدكتور سلطان، بذكائه الحاد، وخبرته الطويلة رسم خريطة طريق جديدة للثقافة والإبداع العربيين، نحو الوصول إلى العالم وتحقيق العالمية.
وليس من سمع كمن رأى.. أعضاء وفد الشارقة 124، اشتغلوا جميعاً بجد وإخلاص، في تنسيق واتساق، ومتابعة فريق هيئة الشارقة للكتاب بإشراف المتألق أحمد بن ركاض، وبدعم لوجستي من فريق القنصلية العامة لدولة الإمارات في ساوباولو، فقد أسهم الحضور البهي والفاعل للقنصل العام في ساوباولو إبراهيم سالم العلوي في إنجاح هذه الزيارة التاريخية.
وليس من سمع كمن رأى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"