الصراع على هوية الدولة السورية

02:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو
كشف الصراع في سوريا الهشاشة التي وصل إليها العقد الاجتماعي السوري، خصوصاً أن النظام السياسي، عبر أكثر من أربعة عقود، سدّ المنافذ السياسية والنقابية التي يمكن عبرها تجديد روح العقد الاجتماعي، ليكون مطابقاً بأكبر درجة ممكنة لمصالح الفئات الاجتماعية، بحيث تستطيع تلك الفئات أن تبرز ممثليها الحقيقيين، المعبرين عن تطلعاتها، عوضاً عن اصطناع حالة صوّرية عن الحالة الوطنية، يستثمرها النظام السياسي في تأكيد شرعيته، في الوقت الذي راحت تزداد فيه الهوّة بين الفئات الاجتماعية وبين النظام السياسي، بكل ما تنطوي عليه تلك الهوّة من مشكلات وأزمات ذات صلة بمسائل إشكالية، ومنها مسألة الهوية.
لقد شهدت مختلف مؤتمرات المعارضة السورية سجالات حادّة حول هوية الدولة، حتى إن بعض تلك السجالات غاص في تاريخ سوريا، وفي تاريخ المكوّنات التي تعيش فيها، وفي تاريخ قدوم بعض الأعراق إلى الجغرافيا السورية، وفي مفهوم التعايش المشترك، ومفهوم الأكثرية والأقلية، وعلاقة سوريا بالعروبة، وقد انطوت تلك السجالات على تباينات كبيرة في مواقف قوى المعارضة، حتى إن بعض المؤتمرات كرّست حالة الخلاف القائمة بين القوى السياسية المعارضة حول مسائل الهوية، خصوصاً أن طيف المعارضة السوري يتضمن قوى إثنية ودينية وقومية وعلمانية، وكل واحدة من تلك القوى له رؤية مختلفة عن الآخرين فيما يخص مستقبل سوريا، بما ينطوي عليه ذلك المستقبل من مصالح اجتماعية واقتصادية، وارتباطات مع الجوار الإقليمي.
ولم يعد خافياً على أحد مطالبات بعض القوى الكردية، على وجه الخصوص، بشطب كلمة «العربية» من مسمى الدولة، والاكتفاء باسم «الجمهورية السورية»، عوضاً عن «الجمهورية العربية السورية»، في الوقت الذي جادلت فيه قوى يسارية وعلمانية بأن مفهوم «المواطنة» يمكن له أن يحل مشكلة الإثنيات، بينما تنظر القوى الإسلامية إلى مفهوم «المواطنة المتساوية» وارتباطه بمفهومي «العلمانية» و«الديمقراطية» بكثير من الريبة، وقد رفضت على طول الخط الإشارة إلى كل ما يتعلق بمفهوم «العلمانية» في البيانات الصادرة عن المؤتمرات التي شاركت فيها.
ويتجدد السجال بين قوى المعارضة السورية حول مسائل الهوية في كل مفصل جديد على جبهة المفاوضات، وهو ما يحرف الجهود الرئيسية التي ينبغي لها أن تصب في خانة وقف القتال، والبدء بعملية الانتقال السياسي، خصوصاً مع وجود مخاوف لدى مختلف الأطراف بأن تنطوي المفاوضات على تثبيت توجّه محدد بما يتعلق بهوية الدولة، وهو أمر مشروع من حيث المبدأ، طالما أن خريطة الانتقال السياسي، وإطارها القانوني، ومدتها الزمنية، ما زالت في نطاق المجهول، لكن ما هو خطر فعلياً أن يتحول الخلاف حول مسائل الهوية إلى فرصة لخلط الأوراق من قبل جميع الأطراف المشاركة في التفاوض.
وإذا نظرنا إلى تشابك الصراع السوري في بعده الإقليمي فإننا سنجد أثر التجاذبات الإقليمية حاضراً في خلافات السوريين حول مسائل الهوية، فجميع اللاعبين المحليين، ومنهم النظام السوري، لا يمتلكون تحديد موقفهم من هوية الدولة بمعزل عن ارتباطاتهم الخارجية، فهوية الدولة ستحدد إلى حدّ كبير علاقة سوريا بمحيطها الإقليمي، كما أنها تعكس نفوذ الدول الإقليمية الرئيسية في الملف السوري، وطالما أن الصراع الإقليمي ما زال محتدماً فإنه سيبقى ضاغطاً على مواقف القوى المحلية في تحديد رؤيتها من هوية الدولة.
لقد شهد المشرق العربي في العقود الماضية صراعاً على هوية الدولة في كلٍ من لبنان والعراق، حيث مضى البلدان نحو دستور قائم على المحاصصة، وهو ما كرّس الانقسام المجتمعي في البلدين، وجعل السلم الأهلي متفجراً في العراق، وهو المآل الذي لا يبدو بعيداً عن مستقبل التسوية السياسية في سوريا، حيث تخضع هذه التسوية إلى ميزان القوى العسكري بين النظام وداعميه من جهة، وبين الفصائل المسلحة وداعميها من جهة ثانية، بعيداً عن رغبات المدنيين السوريين، الذين لا يجدون لهم أي تمثيل في عملية التسوية السياسية.
وليس فقط من مصلحة السوريين وحدهم أن ينجزوا عقدهم الاجتماعي-الوطني الذي يكفل السلم الأهلي، ويجدد ثقة السوريين ببعضهم بعضاً، عبر دولة وطنية، تمهد الطريق أمام مواطنيها لبناء مؤسسات تكفل مواطنيتهم، بل إنه أيضاً من مصلحة العرب أن يكون مسار التسوية السياسية مقدمة لاستقرار سوريا، بما لذلك الاستقرار من أهمية في استقرار العالم العربي، وهو ما يستلزم ألا يغيب العرب عن مسار التسوية، وأن يكون دورهم مساعداً في تمكين السوريين من عملية انتقال سياسي تضمن استقرار سوريا، انطلاقاً من مرجعيات صاغها السوريون، خلال السنوات الماضية، وفي مقدمتها وثيقتا مؤتمر توحيد المعارضة السورية في يوليو/ تموز 2012، اللتان يمكن البناء عليهما، خصوصاً ما جاء في وثيقة «العهد الوطني».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"