تخبط دولي بسبب «الصفقة»

03:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
كمال بالهادي

أتقنت الإدارة الأمريكية لعبة المواربة والكشف عما تسميه «صفقة القرن»، وجعلت القوى الدولية المساندة أو المعارضة، وأصحاب الأرض الحقيقيين وكل العرب، في مأزق غير مسبوق. بل إن إدارة ترامب جعلت العالم يتخبّط إزاء هذه الصفقة الغامضة..
«إذا رأى أحد الخطة الأمريكية فليطلعنا عليها مع الشكر»، هكذا كان ردّ وزير خارجية فرنسا جون إيف لودريان، عقب لقائه وزير خارجية المغرب، لبحث «صفقة القرن». تصريح الوزير الفرنسي لا يختلف كثيراً عن تصريح وزراء خارجية كل من روسيا والصين وألمانيا الذين اتفقوا على أن سياسة الغموض التي تتبعها إدارة البيت الأبيض لا يمكن مجابهتها إلا بموقف واضح يقوم على فرضيات اتفاقات السلام السابقة والمقبولة دولياً والتي تقوم على حل الدولتين واعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.
لعبة المواربة التي تعتمدها إدارة ترامب في هذه المرحلة هي خطة مدروسة بطريقة عميقة، لجعل القوى الدولية غير قادرة على حسم مواقفها، إلى حين الكشف عن تفاصيل الخطة بصفة رسمية. ولكن سياسة الإخفاء والكشف عن طريق التسريبات الإعلامية من دوائر مقربة من إدارة ترامب، تكشف أيضاً أن الولايات المتحدة لم تعد تثق بشركائها الدوليين وخاصة الشركاء الأوروبيين. فمنذ صعود ترامب إلى السلطة والعلاقة بين أوروبا وأمريكا في تراجع واضح، والخلافات تتزايد من سنة إلى أخرى. وعندما يقول وزير خارجية فرنسا «من يعثر على الخطة الأمريكية فليدلنا عليها»، فهذا دليل قاطع على أن واشنطن باتت تبني سياستها الدولية على حليف واحد هو الكيان الصهيوني، بل إن الدبلوماسية الأمريكية باتت تشتغل في عهد ترامب على ملف واحد هو «أمن إسرائيل».
القوى الدولية المنافسة لواشنطن بلعبة الأمم في الشرق الأوسط، ونقصد روسيا والصين والدول الرديفة لهما في المنطقة، أعلنت بكل وضوح عن رفض مطلق للصفقة ولكل المشاريع التابعة لها. والمواقف الدولية هذه، لا تنبني من معاداة ل«إسرائيل» أو رفضها لوجودها في المنطقة، فروسيا والصين لهما علاقات بالكيان الصهيوني دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، بل إن جزءاً مهماً من يهود الكيان هم من أصول روسية. وعليه فإن رفض خطة ترامب، يأتي من خلفيات تتعلق بمن يمسك بزمام الأمور في منطقة هي في مهب الريح.
والثابت أن العرب يعيشون حالة تخبط واضحة، وهم غير قادرين على اتخاذ موقف موحّد. ولكن نجحت حكومة الاحتلال، على الأقل من خلال سياسة التعتيم على الصفقة وتفاصيلها، في تقسيم الموقف العربي بشكل واضح. لقد حصلت «إسرائيل» على ما تريد في بضع سنوات، ونقلت ساحة المعركة من عرب ضد «إسرائيل»، إلى عرب ضد عرب، على ملف التطبيع مع الكيان المحتل للأرض العربية. «إسرائيل» هي الرابحة في كل الأحوال مما يحدث. هي لا تريد تطبيعاً سياسياً، ويمكن القول إنها غير معنية بهذا النوع من التطبيع، ولم تعد بحاجة إليه.. ف«إسرائيل» حصلت على القدس «الموحدة» عاصمة لدولتها، وعلى الأرض تم نقل السفارة الأمريكية إلى «العاصمة الجديدة» لدولة الاحتلال. فما الذي يمكن أن تخفيه صفقة القرن من أسرار أكثر وأخطر من منح القدس لليهود وحدهم دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى؟ إن النقاش يجري الآن حول مصير اللاجئين والذين تريد واشنطن توطينهم في دول إقامتهم ومنحهم جنسيات تلك الدول وبالتالي يقع إغلاق هذا الملف.
ويبقى ملف حل الدولتين الذي يفقد أي معنى له بمنح القدس للاحتلال. فأي معنى لدولة فلسطينية دون القدس. هنا يتضح الخلاف العربي مع أمريكا، وهنا يتضح السبب الذي يجعل الصفقة تخرج إلى العلن بسياسة القطرة قطرة.
لقد نجحت أمريكا في إدخال العالم في دوامة «صفقة القرن» كما سبق وأن أدخلته في دوامة مماثلة في تسعينات القرن الماضي عند مفاوضات أوسلو، ولكن الناظر إلى نتائج أوسلو لن يتعب نفسه كثيراً في معرفة نتائج «صفقة القرن» سواء أعلنوها أو أخفوها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"