أزمة حكومية مفتاحها في «المخزن»

03:24 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول
«الإسلام ليس هو الحل» بحسب عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة المغربية المكلف ورئيس حزب «العدالة والتمنية» الذي تنصل من الشعار الشهير للإخوان المسلمين، وأكد أن حركته ليست فرعاً من فروع التنظيم الدولي وإن كانت قد ترعرعت في صفوفه أو على هامشه بحسب ابن كيران في تصريحات شهيرة أطلقها عام 2012. الابتعاد عن «الإخوان المسلمين»، أو التنصل منهم، سيؤدي من بعد إلى الابتعاد عن الحركة في كل مكان تقريباً. فقد سار على خطى رئيس «حزب العدالة والتنمية» راشد الغنوشي الذي أنكر عضوية حزبه في التنظيم العالمي للإخوان، ومثله فعل «التجمع اليمني للإصلاح» في اليمن، وآخرون اختاروا اللحظة المناسبة للابتعاد عن حزب حسن البنا الذي قاد ما يسمى «الربيع العربي» الذي فشل فشلاً ذريعاً على كل الصعد، حتى صار الاستمرار في الحياة السياسية شرطه الابتعاد عن «الإخوان».
بيد أن ابتعاد ابن كيران عن أساتذته القدماء، ما كان كافياً لتشكيل الحكومة الائتلافية المغربية منذ تعيينه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. فقد فشلت مفاوضاته مع الأحزاب التي لا تعترض على حكمه المحتمل، وامتنع خصمه اللدود حزب «الأصالة والمعاصرة» برئاسة فؤاد عالي الهمة عن التعاون معه، في حين أعلنت أربعة أحزاب مستقلة ومتنوعة المشارب عن رفضها مواصلة التفاوض مع الرئيس المكلف الذي امتنع عن تلبية مطالب حزب«التجمع الوطني للأحرار» الليبرالي.
خلاصة المشاورات أفضت إلى مأزق سياسي، لا يبدو حله متاحاً في ضوء المواقف السياسية الراهنة. فمن جهة يمتنع الحزب الثاني من حيث عدد الأصوات عن الاشتراك في المفاوضات، وأعني حزب «عالي الهمة»، ومن جهة ثانية لا يريد ابن كيران مواصلة التفاوض مع مجموعة الأحزاب الأربعة المتجمعة حول التيار الليبرالي بزعامة عزيز أخنوش، علماً بأن الأحزاب نفسها أصدرت بياناً عبرت فيه عن استحالة التفاوض مع ابن كيران، الذي وافق مضطراً على التباحث مع حزب «الاستقلال» بعد أن كان رافضاً بحزم، لكن هذه الخطوة لا تكفي، لأن الحصول على الأغلبية في مجلس النواب تستدعي أكثر من حزب وأكثر من طرف.
هذا الاستعصاء في التشكيل الحكومي المغربي فتح البلاد على أزمة معقدة، ليست ناجمة فقط عن الفيتوات التي تضعها الأطراف المعنية بمواجهة بعضها البعض فحسب، وإنما أيضاً عن غياب حلول أخرى بديلة بحسب الدستور الجديد، فالملك لا يستطيع تكليف شخصية أخرى لتأليف الوزارة، إذ يلزمه الدستور باختيار الوزير الأول من الحزب الذي نال أكبر نسبة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحصل خلالها حزب العدالة والتنمية على أكبر نسبة من الأصوات، ولا يمكن عرفاً اختيار شخصية حزبية أخرى من الحزب نفسه، إلا إذا كان هذا الحزب هو الراغب في ذلك، وحتى الآن لا توجد بوادر داخل «العدالة والتنمية» لاعتماد هذا الخيار.
من جهة ثانية يمكن للملك محمد السادس إقناع معارضين بتليين مواقفهم، والقبول بالمشاركة في الحكومة العتيدة، لكنه في هذه الحالة سيكون مضطراً لطلب تنازلات من الوزير الأول المكلف الذي يقول إنه وصل في مفاوضاته مع الأطراف المعنية إلى الحد الأقصى من التنازل، ولو كان قادراً على التنازل بعد لما احتاج إلى تدخل ملكي.
في السياق نفسه يمكن للتفاهم بين ابن كيران وفؤاد عالي الهمة، أن يوفر للحكومة المقبلة الأغلبية البرلمانية المريحة، باعتبار أن حزب «الأصالة والمعاصرة» فاز بالمرتبة الثانية في الانتخابات الأخيرة، لكن هذا الحل يستدعي طي صفحة خلافات حادة بين الطرفين، وهو أمر غير متاح في ضوء الظروف الراهنة ناهيك عن أن حزب «عالي الهمة» مقرب من القصر وهذا الأمر سينعكس على أداء الحكومة ما قد يتسبب لحزب ابن كيران بمتاعب مع قاعدته.
يفيد ما تقدم بأن الانتخابات النيابية المغربية الأخيرة قد أفضت إلى أزمة حكومية بدلاً من تأليف الوزارة، وبالتالي صار الحل الأفضل هو العودة إلى صناديق الاقتراع، واختيار مجلس نيابي جديد وحكومة جديدة، إلا إذا قرر الملك محمد السادس تشكيل حكومة تكنوقراط متجاوزاً الدستور والراجح أنه لن يبادر إلى خطوة من هذا النوع.
لن تكون العودة إلى صناديق الاقتراع ميسرة هي الأخرى بغياب رئيس للمجلس النيابي الراهن، حتى لو كانت ميسرة سيكون من الصعب ضمان نتيجة للتصويت مناقضة للنتيجة الراهنة إلا إذا وقع تدخل من خلف الستار هنا وهناك من النوع الذي يعدل النتائج ويتيح خريطة تمثيل جديدة ومختلفة للقوى السياسية بالمغرب.
تبقى إشارة إلى أن قانون الانتخاب المغربي، ربما يكون المسؤول الأول عن التفتيت السياسي الذي يلي الانتخابات النيابية فهو لا يتيح انبثاق أكثرية طاغية لتحكم منفردة من دون تحالف مع قوى أخرى، ولعل حكمته الوحيدة والمفيدة أنه يجبر المعارضة المغربية على التحالف والائتلاف في ظل حكومة تمثيلية وبالتالي إتاحة الحكم لأكبر عدد من المنتخبين الذين اختارهم الشعب، الأمر الذي ينطوي على نوايا حسنة لكنها لا تعين كما رأينا في تشكيل ائتلاف حاكم بطريقة ميسرة.
إذا كان «الإسلام ليس حلاً» بالنسبة لابن كيران فحزبه أيضاً «ليس حلاً» لأزمة حكومية محاطة باستعصاءات بالجملة، وهذا يعني أن قرار حل الأزمة بات في «المخزن» وليس في صناديق الاقتراع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"