«ترامب» فرنسي قيد الانطلاق

03:27 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول

يبدو أن زلزال «ترامب» الأمريكي تتردد صداه في فرنسا، فقد أحدث رئيس الوزراء الأسبق، فرانسوا فيون، مفاجأة «ترامبية» في الانتخابات التمهيدية لتياري اليمين والوسط، من أجل اختيار مرشح رسمي للتنافس على رئاسة الجمهورية ربيع العام المقبل.
تمثلت المفاجأة في انتقال فرانسوا فيون من مرشح هامشي يحتل المركز الرابع في استطلاعات الرأي، إلى مرشح كاسح خلال أسبوعين، وتمكن، ليس فقط من احتلال المركز الأول في الدورة الأولى من الرئاسيات التمهيدية، وإنما إيضاً من توسيع الفارق بنسب كبيرة بينه وبين الفائز الثاني آلان جوبيه، إذ بلغ أكثر من 15 نقطة، وحاز ضعفي الأصوات التي نالها المرشح الفاشل نيكولا ساركوزي.
لا يتمتع فيون بمزايا استثنائية فهو محافظ وليبرالي حتى العظم، ويعد بفصل 500 ألف موظف رسمي من وظائفهم في الدولة، ويناهض الإصلاحات القانونية التي وقعت في عهد فرانسوا هولاند، ولا يحبذ زواج المثليين ويعتقد أن الإجهاض خاطئ... إلخ.
آلان جوبيه وعد ناخبيه بمفاجأة في الدورة الثانية للانتخابات التمهيدية، الأحد المقبل، لا تقل أهمية عن مفاجأة فيون في هذه الدورة، معتبراً أن موجة الأصوات التي حصل عليها خلال أسبوعين، ليست راسخة بل متحركة إلى حد يمكن أن تصب في صالح غيره. ويراهن جوبيه على انكشاف فيون أمام الناخبين بصفته المحافظة وبوعوده الليبرالية التي قد لا تحظى بتأييد واسع لدى الرأي العام الفرنسي.
ويعتقد أنصار جوبيه أن فيون لم يكن هدفاً في الدورة الأولى للاقتراع لهجوم المتنافسين، فقد انصب الجدل الانتخابي حول ساركوزي وآلان جوبيه، فكان هو المستفيد الأكبر من صراع القطبين، خاصة أنه لم ينخرط بسجالات فئوية، وظل بعيداً عن المشادات والاتهامات فصار مرشحاً جذاباً.
أضف إلى ذلك أنه لم يفصح عن كامل برنامجه الانتخابي وفضّل إضفاء الغموض على بعض نواياه في الحكم، معززاً الشائعات التي تقول إنه سيكون أشبه ب«تاتشر فرنسا»، وتصرف بطريقة شعبوية محببة للناخبين الذين زارهم في كل أنحاء البلاد، بل هو المرشح الوحيد الذي زار كل المحافظات الفرنسية، وتجول في أقاصي الأرياف، وهذا السلوك يترك في العادة تأثيراً محبباً لدى الناخبين.
وكما في ظاهرة «ترامب» يبدو أن استطلاعات الرأي لعبت دوراً مهماً وغير مباشر لصالح فيون، إذ صبت اهتمامها على الثنائي جوبيه - ساركوزي، واعتبرت أن الرجلين سيترشحان للتنافس في الدورة الثانية، إلى حد بدا معه أحياناً وكأن لا حاجة للاقتراع، وأن النتيجة محسومة سلفاً، فإذا بالناخب يفاجئ الجميع ويعطي أجهزة الاستطلاع، وسير اتجاهات العمليات الانتخابية درساً في التواضع، وبالتالي الاقتراب أكثر من مشاعر الناس ومشاغلهم بل الغوص أعمق للتعرف إلى اهتماماتهم وهواجسهم.
وكما في الولايات المتحدة يبدو أن المشرفين على أجهزة الاستطلاع في فرنسا فشلوا أيضا ًفي التعرف إلى نوايا الناخبين الذين شكلوا موجة كاسحة في بحر فيون. الواضح أن نسبة المترددين، عشية الاقتراع، وصلت إلى أكثر من 22 في المئة من الجسم الانتخابي. هذا التردد حسم القسم الأكبر منه لصالح المرشح الفائز لسبب بديهي هو أن الثنائي جوبيه ساركوزي يدافعان عن برنامجين انتخابيين لا لبس في عناصرهما، في حين بدا برنامج فيون مفتوحاً، ويمكن تأويله، فانصبت الأصوات عليه، خصوصا أن أحداً لم ينتقده كما لاحظنا من قبل، وبالتالي هو الأقرب إلى إغراء الناخبين المترددين. يضاف إلى ذلك أن الناخب اليميني يعرف أن الرئاسيات التمهيدية ليست حاسمة، وأن المرشحين السبعة لا يختلفون على الأساسيات، فلماذا لا يجرب الناخب مغامرة جديدة مع مرشح موهوب وقريب من الناخبين، وغير ملوث بالفساد.
طبعاً لابد من لفت الانتباه إلى ردود الفعل الغاضبة بصمت على سلوك المرشحين التقليديين الذين غالباً ما يصورون الأمور وكأنها محسومة ولا تحتاج حتى إلى الاقتراع، وفي هذه الحالة ربما وجدت قلة من الناخبين أنه لابد من وضع حد لمثل هذا التعالي وهذه الغطرسة، عبر التصويت العقابي، وبالتالي اختيار المرشح الذي «لا يعول عليه» إعلامياً.
يبقى جانب آخر في هذا الاقتراع متعلق بناخبين يساريين وآخرين من اليمين المتطرف، وقد أسهم هؤلاء في تعديل النتائج. فالثابت أن اليسار أشار ضمناً إلى قطاعات من ناخبيه بوجوب المشاركة في الاقتراع لقطع الطريق على ساركوزي، ومثلهم فعل اليمين المتطرف.
عندما تصب أصوات خارجية في صناديق الاقتراع اليمينية يصبح الجسم الانتخابي اليميني مخترقاً وتضيع بالتالي كل محاولات استشراف نتائج الاقتراع.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الهيئة المنظمة للرئاسيات التمهيدية أقرت بحق كل الفرنسيين في التصويت لاختيار مرشح يميني للرئاسة، وبالتالي لم تحصر هذا الحق باليمين حصراً.
الأسبوع المقبل قد يكون لفرنسا «ترامبها» ممثلاً بفرانسوا فيون، الذي قد يجد الطريق ممهدة أمامه للفوز بقصر الإليزيه، ذلك أن اليسار خرج من عهد هولاند محطماً، واليمين المتطرف لم يجد بعد مصداقية كافية لتولي الرئاسة الأولى، إلّا إذا نجح آلان جوبيه في اختراق كل التوقعات، واجترح مفاجأة أخرى على غرار فيون، في مثل هذه الحالة لابد من حديث آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"