«ظاهرة النسيان» تنتشر.. والأسباب غامضة

03:52 صباحا
قراءة 6 دقائق
يعاني الجميع النسيان فهي حالة عامة وظاهرة منتشرة بصورة مقلقة، ودرجات النسيان تختلف من حالة إلى أخرى لكنها ملحوظة وموجودة في كل المجتمعات وبين كل الفئات والأعمار، وكان النسيان ومرض الزهايمر في الماضي القريب يهاجم كبار السن فقط، والآن أصبح سمة عامة في المجتمع.
الشباب يعانون حالة غريبة من النسيان، ولا يستطيعون أن يسترجعوا الكثير من المعلومات، وينسون بشكل مزعج مكان المفاتيح وهل أغلقوا السيارة أم تركوها، وينسون الكثير من المواعيد لدرجة أن البعض ينكر أقواله التي ذكرها أمام جمع من الأشخاص، ويذكرونه بهذه الأقوال وهو في حالة استغراب واندهاش من سرعة النسيان، وتسبب هذه الحالة المرضية العديد من المشاكل والأزمات للأشخاص، وكانت ذاكرة الأطفال في الماضي قوية بدرجة مبهرة تجعلهم يتذكرون مواقف حدثت منذ سنوات، ويذكرونها للآباء بدقة وبكل تفاصيلها، والآن لم يعد الطفل بهذه المقدرة القوية على التذكر، كما كان مرض الزهايمر يظهر بدرجة ملحوظة على من تجاوزا عمر 70 عاماً، والآن نزل هذا الحد إلى فئات وأعمار الخمسينات من العمر، فما الذي طرأ وجعل هذه المشكلة تظهر بصورة مخيفة؟ وفي هذا الموضوع سوف نجيب على هذا السؤال، ونكشف بعض الأسباب التي أدت إلى ظهور وانتشار هذه المشكلة، كما نطرح بعض الحلول والمعالجات وطرق الوقاية من هذه المشكلة المرضية.
عدم التطوير
تتأثر درجة إصابة الشخص بمرض النسيان بعدة عوامل، منها حالته الصحية في مختلف مراحل حياته، من حيث القوة والضعف والمرض، كما أن درجة الاهتمام بالقدرات العقلية وتنميتها والحفاظ على صحتها يؤثر بشكل كبير في هذه الحالة، وكل شخص له قدرات ذهنية مختلفة عن غيره فالبعض يتمتع بذاكرة قوية ويقظة والبعض الآخر ذاكرته ضعيفة ولا تسعفه، كما تتأثر هذه الحالة بمدى الحفاظ على خلايا المخ المسؤولة عن الذاكرة، ويمكن أن يكون سبب شيوع النسيان في هذه الأيام التعرض للضغوط العصبية، واستمرار حالة التوتر والانفعالات وكثرة الارتباطات والأعمال والمسؤوليات، وعدم تنمية وتطوير قدرات التذكر كما كان في الماضي، نتيجة الاعتماد الكلي على توافر المعلومات بشكل ضخم وفي كل المجالات والاتجاهات في شبكات الإنترنت، والتقدم التكنولوجي الهائل وتزاحم الأفكار والمعلومات، مما جعل الأشخاص لا يجهدون الذاكرة في الحفظ واستدعاء المعلومة، وبذلك تفقد خلايا الذاكرة التدريب والتمرين والتطوير وتصبح ضعيفة وغير قادرة على الاحتفاظ بالمعلومات وإعادة استرجاعها وقت اللزوم، فمن المعروف أن مرض النسيان أو الزهايمر يهاجم خلايا الذاكرة في المخ، ويعد من أخطر الأمراض على الدماغ حيث يعمل على تدمير جزء من هذه الخلايا ويضعف من القدرات العقلية مثل التذكر والتفكير، وفي الحالات المتطورة من هذا المرض لا يستطيع الشخص القيام بأبسط الأنشطة نتيجة حالة النسيان السريعة، ويحتاج الشخص في هذه المرحلة إلى رعاية لصيقة من المحيطين.
هالة من الغموض
تحيط مرض النسيان أو الزهايمر هالة من الغموض وعدم المعرفة الدقيقة للكثير من تفاصيل حدوثه أو أسبابه الحقيقية والعوامل التي تساعد على ظهوره، وأجريت العديد من الدراسات في هذا الموضوع لبحث أسرار هذا المرض، وما زالت أسرار كثيرة مختفية مثل التلف الذي يصيب خلايا الدماغ المسؤولة عن التذكر والتفكير واللغة كذلك، ولم تصل الدراسات إلى سبب هذا المرض حتى الآن، ونتيجة ذلك لم تستطيع شركات الدواء إنتاج علاج فعال يقضي على هذه المشكلة، ويعود بالشخص إلى سابق عهده من القدرات الذهنية والعقلية الجيدة أو المعقولة التي تعينه على استكمال مسيرة حياته بشكل يعتمد فيه على نفسه، والجديد أن هذه الحالة المرضية أصابت الشباب بدرجة ليست قليلة، وأصبح الشباب ينسى الكثير من الأشياء بشكل لافت للنظر، وأصبح النسيان ظاهرة تستدعي وقفة جادة من الكثير من المراكز البحثية، لوقف التدهور المستمر في القدرات العقلية للكثير من الأجيال الناشئة، وتبين الدراسات الحديثة أن هذه المشكلة في تزايد مستمر في جميع دول العالم.

الاكتئاب والحوادث
توجد بعض العوامل التي يمكن أن تكون ضالعة في الإصابة بمرض النسيان، أو محفزة لحدوثه والمساعدة على قدومه، ومنها الدخول في حالات طويلة من مرض الاكتئاب التي تصيب الكثير، تؤدي إلى خطر التعرض لفقدان مساحة من الذاكرة بصورة تدريجية، وكلما كانت حالة الاكتئاب حادة وطويلة كان تأثيرها أعمق في حالة النسيان، ومن العوامل أيضاً تعرض الشباب لحالة الإجهاد الفكري وإهدار طاقة ضخمة وزيادة الإرهاق وعدم الراحة المستمر، والتعرض للضغوط العصبية بشكل يومي وزائد، وفي حالات التركيز الحاد والدائم لمدة طويلة من الزمن يرهق خلايا الذاكرة، كما أن تعرض الدماغ للحوادث والصدمات الشديدة يؤدي إلى تضرر جزء من القدرات العقلية، بما فيها خلايا الذاكرة ويعرض أصحابها لخطر الإصابة بمرض النسيان، وينصح الأطباء بحماية الدماغ أثناء الألعاب الرياضية والتمارين العنيفة، كما ربطت دراسة سابقة زيادة فرص الإصابة بمرض النسيان وبين تناول الطعام في أواني مصنوعة من مادة الألمنيوم، وهذه الأواني يستخدمها ويعتمد عليها عدد كبير من الأشخاص وتنتج طبقة رقيقة سوداء تسمى مادة أكسيد الألمنيوم بعد التعرض لدرجة الحرارة، وتمتزج بالأكل وتذوب فيه بكل سهولة وتدخل إلى الجسم مع تناول الطعام، وتتراكم داخل الخلايا العصبية في الدماغ وتحدث تلفاً لبعض هذه الخلايا، كما أن بعض الأمراض تساعد على حدوث هذه الحالة مثل داء السكري وارتفاع ضغط الدم المستمر وزيادة معدل الكوليسترول الضار في الدم وسوء التغذية المضر بخلايا المخ، والإصابة بحالات الجفاف ومتلازمة داون والعوامل الوراثية، كل هذه العوامل السابقة تزيد من احتمالات الإصابة بمرض النسيان.
هرمون الأستروجين
كشفت دراسة حديثة أن تناول بعض النساء لأدوية هرمون الأستروجين، وذلك بعد الوصول إلى مرحلة سن اليأس يقلل من احتمالات الإصابة بمرض النسيان، حيث أشارت هذه الدراسة إلى أن السيدات اللاتي استخدمن جرعات تكميلية من هذا الهرمون من خلال اللصقات الجلدية، تراجعت لديهن معدلات تراكم البروتين الذي يسبب هذه الحالة، ومرض الزهايمر يصيب الجهاز العصبي في البداية بأعراض خفيفة، منها نسيان بعض الأشياء مثل مفاتيح الشقة وعدد من المواعيد، ثم يتدرج مع الوقت ويصل إلى فقدان تام للذاكرة، وعدم القدرة على القيام بالمهارات الرئيسية كالتعلم والمعرفة والتركيز، مما يؤدي إلى ضعف كبير في قدرات الإدراك والتركيز، ويتفاقم هذا المرض نتيجة حدوث تطورات سلبية معقدة داخل بعض خلايا المخ تستغرق مدة زمنية طويلة، ومرض النسيان يحدث نتيجة ضمور في بعض فصوص الدماغ وخاصة الفص الأمامي والجانبي، مما يؤدي إلى اتساع في المسافات الموجودة بين تلافيف المخ، وبالتالي يحدث قصور شديد في وظائف خلايا الدماغ المسؤولة عن ترجمة القدرات المعرفية، ومنها التذكر والقراءة والكلام والكتابة والتخطيط والاستنباط وبعض القدرات الذهنية الأخرى.
القدرات المعرفية
تختلف أعراض مرض النسيان من شخص لآخر ومن فئة عمرية لأخرى، فما يظهر لدى الشباب يختلف عن كبار السن، حيث تتضرر القدرات الإدراكية والذاكرة للصغار بصورة أقل من المسنين، ولا تضعف القدرة على التوجيه المكاني بصورة مقلقة، والتشخيص الدقيق لهذا المرض يتطلب مجهوداً كبيراً من الطبيب المتخصص، مع إجراء العديد من التحليلات والفحوص، ومن الأعراض التي تظهر في الفئات صغيرة السن عدم القدرة على التحكم في الأطراف بشكل طبيعي، وظهور ضعف في القدرات المعرفية مثل عدم القدرة على التخطيط، وكذلك فقدان مهارة الاستنتاج في أبسط صوره، وحدوث مشاكل في القدرة على الكلام واللغة عموماً، وهذه الأعراض مختلفة عن زهايمر الشيخوخة، ولا يوجد ارتباط واضح بين أعراض المسنين وبين مرض النسيان الذي يهاجم صغار السن، وذلك في جانب ضعف الذاكرة وتضررها، ولم يكتشف الباحثون سبب إصابة الصغار والشباب بهذا المرض، ولكنهم اعتمدوا في ذلك على دور الجينات والوراثة، وكذلك الطفرات التي تطرأ على عدد من الجينات وتجعلها محفزاً قوياً لظهور هذا المرض وتداعياته.

ذاكرة العالم في مأزق

تشير الدراسات الحديثة إلى أن مرض النسيان، وضعف الذاكرة، من أكثر أمراض الخرف شيوعاً، وأكثرها خطراً وتأثيراً في القدرات الذهنية للأشخاص، وأصبح في حالة تزايد مستمر، ومن المتوقع أن يصل عدد المصابين بهذا المرض إلى نحو 160 مليوناً في خلال 10 سنوات قادمة، كما كشفت دراسة جديدة أن عدد الشباب الذين أصيبوا بمرض النسيان وصل إلى نحو 8% من مجمل عدد الأشخاص المصابين بهذا المرض في كل دول العالم، ويكون من هذا العدد نحو 60% من إجمالي هؤلاء الشباب المصابين بالمرض لديهم عوامل وراثية، تتمثل في ملف العائلة التي أصيب أحد أفرادها، أو أكثر، بهذا المرض، وهذا الانتشار في فئات مختلفة من المجتمعات يدل على أن ذاكرة العالم في مأزق كبير، نتيجة التدمير المستمر للقدرات المعرفية والتعلمية والذهنية، ويسبب مرض النسيان في الإصابة نسبة 77% من أعراض خرف الشيخوخة، وتعتبر السيدات الأكثر تعرضاً لخطر الإصابة بمرض النسيان، أكثر من الرجال، ويصعب علاج هذه الحالة بشكل فعال، وكل ما يمكن فعله هو الحد من زيادة درجة النسيان فقط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"