الشخصية الحدية.. مرض عقلي مزعج

00:25 صباحا
قراءة 6 دقائق
يعتبر مرض اضطراب الشخصية الحدية من الأمراض العقلية، ويتسبب في حدوث تقلبات حادة في المزاج، وسلوك متسرع ومشاكل حادة في ثقة المصاب في نفسه.
ويصيب علاقات الشخص المصاب بالاضطراب في كل مجالاته، ويطلق على هذا الاضطراب العديد من المسميات، ومنها النمط الحدي، واضطراب الشدة العاطفية، واضطراب الشخصية غير المستقرة عاطفياً.
تبدأ أعراض هذا الاضطراب في الغالب في مرحلة الطفولة، غير أن الأعراض غالبا تتأخر في الظهور حتى بداية البلوغ، وتظهر في نهاية مرحلة البلوغ في السلوكيات وطريقة التفكير، وتترسخ أكثر في سن الرشد، وفي العادة فإن تشخيص المرض لا يتم قبل هذه المرحلة العمرية.
ويعتبر فهم أعراض هذا المرض من الخطوات الضرورية، وذلك حتى لا يتم تشخيصه بصورة خاطئة على أنه اضطراب مزاجي، ويمكن أن يكون العلاج صعبا، وكذلك يستغرق التحسن عدة سنوات.
ويكون من الصعب علاج المشاكل العاطفية والسلوكية، غير أن المصابين يتحسنون بمرور الوقت مع تطبيق العلاج، ونتناول في هذا الموضوع مرض اضطراب الشخصية الحدية بكل جوانبه، مع بيان الأعراض التي تظهر، وكذلك نقدم طرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج المتبعة والحديثة. 

من الأبيض للأسود

يعرّف الباحثون الشخصية بأنها منظومة من الأفكار والعواطف والسلوكيات، وهي التي تميز كل فرد عن غيره، كما تعد بمثابة الكيفية التي يتفاعل بها مع العالم، وكيفية تصور نفسه، وتتشكل الشخصية في فترة الطفولة، ثم تتطور من خلال تداخل السمات الموروثة مع العوامل البيئية.
ويعتبر اضطراب الشخصية أحد الاضطرابات العقلية، الذي يتسبب في حدوث قالب ثابت وغير صحي في آلية التفكير والسلوك والأداء، مع ظهور مشاكل في التفاعل مع المحيط والفهم والإدراك.
ويدفع هذا الأمر إلى كثير من العقبات في علاقات المريض وأنشطته الحياتية، ويمتاز مرضى اضطراب الشخصية الحدية بالتقلب بين حدين من المشاعر، أو بمعنى آخر أن المصاب لا يعرف في التركيبة النفسية فكرة الألوان، فينتقل من اللون الأبيض إلى اللون الأسود بسرعة شديدة، ودون تدرج ولذلك يطلق على المصاب بهذا الاضطراب الشخصية المتقلبة.
ويعاني المصاب من نوبات حادة من الغضب والاكتئاب والقلق، يمكن أن تصل مدتها إلى ساعات وحتى عدة أيام، وترتفع معدلات الاضطرابات النفسية المترافقة في الأكل والقلق وتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى تفكير المصاب في إيذاء نفسه، أو التفكير في الانتحار.

خلل النواقل الكيميائية

يجهل الأخصائيون السبب الرئيسي وراء الإصابة باضطراب الشخصية الحدية، وربما يكون السبب في الإصابة خلل في النواقل الكيميائية التي توجد في الدماغ، وهذه النواقل تتحكم في المزاج.
ويمكن أن تلعب الوراثة دورا في الإصابة به، حيث تزيد نسبة الإصابة 5 أضعاف في حال تعرض أحد الأقارب من الدرجة الأولى لهذا الاضطراب.
ويجوز أن يكون وراء الإصابة معاناة المريض من أحداث صادمة في فترة الطفولة مثل وفاة أحد الوالدين أو إساءة المعاملة أو الإهمال، ويمكن أن يتعرض البعض لعلاقات غير مستقرة أو صراعات أسرية.
ويهتم الباحثون بالناحيتين البيئية والبيولوجية في تحديدهم لعوامل الخطر، وذلك من خلال رصد احتمال ظهور الأعراض في سن أصغر من المتعارف عليه، وكذلك يبحثون في توفير وسائل لاكتشاف الاضطراب في وقت مبكر من مرحلة المراهقة، ويعتبر الطريق مفتوحا لإجراء أبحاث أكثر لفهم العلاقة مع الناحية التشريحية والوظيفية للدماغ.

تقلبات مزاجية شديدة

تعتبر أبرز أعراض اضطراب الشخصية الحدية التقلبات المزاجية الشديدة التي تصيب المريض، مع حالة من عدم اليقين بشأن الذات، ولذلك تتغير اهتمامات المريض وقيمه بشكل سريع.
وتكون صورة المصاب عن ذاته وإحساسه بنفسه مشوهة، ويصاب بسلوكيات متهورة وخطيرة في كثير من الأحيان، وعلى سبيل المثال تعاطي المخدرات، والقيادة المتهورة، والإسراف في الطعام وهوس الشراء والاقتناء.
ويمكن أن تصل الحالة إلى سلوكيات انتحارية متكررة، أو تهديدات بالانتحار، أو القيام بإيذاء نفسه بجرح الجسم مثلا، ويصاب كذلك بنوبات من تقلب المزاج الحادة، والتي تستمر من عدة ساعات وتصل إلى عدة أيام.

علاقات عاطفية مضطربة

يشعر المريض بحالة مزمنة من الخواء، وتكون لديه مشاكل في السيطرة على الغضب، مع وجود أفكار متعلقة بالتوتر، وتوجد في بعض الحالات أعراض انفصامية شديدة، مثل الشعور بالانقطاع عن النفس أو فقدان الامتثال مع الواقع.
وتكون العلاقات مع العائلة والأصدقاء حادة العواطف وغير مستقرة، وتتأرجح بين التقارب الشديد والحب، وبين الكراهية الشديدة أو الغضب مثل تخفيض قيمة الشخص.
وتؤدي الأحداث العادية في بعض الأحيان إلى ظهور بعض الأعراض، وعلى سبيل المثال يشعر المريض بالغضب بسبب الفراق المؤقت في الإجازات، أو رحلات العمل أو التغيير المفاجئ من المقربين.
وتظهر الدراسات أن هناك مصابين يمكن أن يشعروا بالغضب في وجه محايد عاطفيا، أو يقوموا بردود فعل قوية على الكلمات ذات المعاني السلبية أكثر من غيرهم.

مشكلة التشخيص الخاطئ

يواجه مريض اضطراب الشخصية الحدية مشكلة التشخيص الخاطئ، وذلك نتيجة تقاطع الأعراض مع بعض المشاكل النفسية الأخرى، ويمكن أن يعاني من هذه الأعراض بعض الأصحاء الذين لا يعانون من أي مرض عقلي.
ويقوم الطبيب النفسي بتشخيص حالة المريض بناء على مقابلة متبحرة وعميقة وفحص طبي شامل، ويتم استبعاد الأسباب الأخرى وراء الأعراض التي يعاني منها.
وترتبط الأسئلة المطروحة بتاريخ المرض الطبي والعائلة وأي تاريخ للأمراض العقلية، وتساعد كل هذه الإجراءات الطبيب في تحديد نوع الاضطراب أو المرض النفسي، وبالتالي توجيه المصاب إلى خيارات العلاج المناسبة.
ويمكن أن يؤدي تداخل أعراض بعض الأمراض العقلية المتزامنة في أن يتعقد الأمر بالنسبة للطبيب، وبالتالي يصعب عليه تشخيص الحالة، وعلى سبيل المثال يذكر له المصاب المشاعر التي تتعلق بالاكتئاب دون توضيح بقية الأعراض.

خيارات عديدة

يمكن أن يكون علاج اضطراب الشخصية الحدية صعبا، وربما تعود الأعراض مرة أخرى بعد انتهاء العلاج، وتكون علاقة كثير من المصابين بهذه الحالة بأطبائهم مضطربة، وربما خفف العلاج على المدى البعيد من شدة الأعراض، والسلوكيات المؤذية، ويساعد كذلك على التحكم في العواطف بصورة أحسن.
ويتوافر عدد من الخيارات للمصابين بهذا الاضطراب، وأول هذه الخيارات جلسات العلاج النفسي، حيث تزيل هذه الجلسات بعض الأعراض، وتتحدد فعالية الجلسات بمدى الثقة بين المريض والطبيب، وهو ما يعرف بالعلاقة العلاجية، وفي بعض الأحيان تؤدي طبيعة بعض المصابين الخاصة إلى صعوبة بناء هذه الرابطة بين المريض والطبيب.
ويساعد العلاج المعرفي السلوكي المصابين على تغيير قناعتهم المحورية، وسلوكياتهم التي تنبع من إدراكهم غير الدقيق لذواتهم وللآخرين، ويقلل هذا النوع من العلاج شدة أعراض القلق، واضطراب المزاج، ومحاولات الانتحار، وسلوكيات إيذاء النفس.
ويدمج العلاج بين عناصر من العلاج المعرفي السلوكي، وبين أنواع أخرى من العلاج النفسي التي تركز على إعادة تشكيل المخططات أو الطريقة التي يرى بها الناس أنفسهم.
ويعتمد هذا النوع من العلاج على فكرة أن اضطراب الشخصية الحدية ينبع من اختلال الصورة الذاتية، وهو ما يحدث في العادة بسبب خبرات سلبية في الطفولة، وبالتالي يؤثر على طريقة تفاعلهم مع البيئة المحيطة، وطريقة التفاعل مع الناس، والتأقلم مع المشكلات والضغوط.
ويمكن أن يتم العلاج على هيئة جلسات فردية بين المريض والطبيب، أو في مجموعات علاجية يقودها المعالج المتخصص، ويدرب قائد المجموعة المصابين على التفاعل مع الآخرين، وكيف يعبرون عن أنفسهم بفعالية.

الأدوية والعلاج العائلي

يشمل العلاج ما يسمى بالتدريب على مهارات العلاج الجدلي السلوكي، وهو ما يساعد العائلات على اكتساب مهارات تمكنهم من فهم ودعم المصاب.
وتتوافر بعض العلاجات التي تدمج العائلة ضمن البرنامج العلاجي، ويركز البعض الآخر على الاحتياجات المختلفة لأفراد العائلة، وترجح الأبحاث المتعلقة بالأمراض العقلية ضم أفراد العائلة للبرنامج العلاجي لوجود مردود إيجابي على المريض نفسه.
يعالج العديد من مرضى اضطراب الشخصية الحدية بالعلاج الدوائي بجانب العلاج النفسي، والأدوية لا تعالج الاضطراب نفسه ولكنها مفيدة في خفض القلق والتوتر والاكتئاب والعنف لدى البعض، وفي العادة يتم علاج المريض بأكثر من دواء في نفس الوقت، بالرغم من قلة الأدلة على حتمية هذا الأمر أو فعاليته.

الرجال الأكثر إصابة

تشير دراسة حديثة إلى أن مصطلح الشخصية الحدية يعد مضللاً بالرغم من أنه لا يوجد أي مصطلح بديل أكثر دقة حتى الآن.
وتوضح الدراسة أن عودة الأعراض مرة أخرى؛ بعد التعافي من النادر حدوثها، وأوضحت إحدى الدراسات أن حوالي 5.5% من المتعافين، ربما عانوا عودة المرض بعد الشفاء.
وتظهر الأبحاث، أن الرجال أكثر إصابة بهذا الاضطراب من النساء؛ لكن في العادة يتم التشخيص على أنه كآبة أو اضطراب ما بعد الصدمة.
وتبين أن الأحماض الدهنية أوميجا3 يمكن أن تقلل من أعراض العنف والاكتئاب، ويبدو هذا العلاج له فاعلية مثل أدوية ضبط المزاج، وينبغي أن يتحلى المرضى بالصبر، وعليهم تلقي الدعم اللازم أثناء العلاج.
ويجب الانتباه إلى أن هذه الأدوية يمكن أن تؤدي إلى بعض الأعراض الجانبية؛ لذلك على المريض مناقشة الطبيب المعالج حول النتائج المتوقعة من استخدام دواء بعينه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"