جامع الإمام الأعظم ببغداد.. قصة صمود عظيم

يضم مرقد مؤسس أول المذاهب السنية
04:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: فدوى إبراهيم

يعد جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ببغداد، واحداً من أهم الجوامع تاريخياً ومكانة دينية، ذلك أنه يضم مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان مؤسس أول المذاهب السنية في الفقه الإسلامي، وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، كما يعد صرحاً علمياً كان ولا يزال يمارس نشاطه العلمي حتى اليوم باسم «كلية الإمام الأعظم».
يقع الجامع في جهة الرصافة في منطقة «الأعظمية» ببغداد نسبة للإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ويفصل المنطقة عن «الكاظمية» (نسبة إلى الإمام موسى الكاظم) جسر يسمى «جسر الأئمة».
تشير المصادر إلى أن المسجد بني في عام 375 ه (985م) بجوار مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان، وبنيت عنده مدرسة كبيرة، ثم في عام 459ه بني مشهد وقبة على القبر وعرفت المنطقة الواقعة بجوار المشهد باسم محلة الإمام أبي حنيفة.


عدوان الصفويين


في عام 459 هجرية أقام السلاجقة إبان حكمهم هناك مشهداً وقبة للإمام في المسجد، وبنيت المدرسة، وفي 941 ه خلال دخول السلطان سليمان القانوني بغداد أمر بإصلاح ما خربه الفرس الصفويون في المسجد وإعادة البناء، وفي عام ١٠٨٤ه دخل السلطان مراد خان الرابع بغداد، وبنى في جامع أبي حنيفة قبة فخمة فوق المشهد بقيت حتى اليوم، وجاء بقبيلتي البو علي والبو حسن ليسكنوا حوله كنوع من الحفاظ على المكان. كما قام بتجديد المدرسة العلمية وبدأت تقام في الجامع صلاة الجمعة والاحتفالات بالمناسبات الدينية، وظلت العناية العثمانية بالجامع قائمة مع استمرار عمليات الترميم والتعمير والزخارف وبدا في عصرهم بفخامة لافتة.
في العام الهجري 1337 أو 1958م صدرت أوامر حكومية ببناء برج على شكل بيضاوي بارتفاع 23 متراً وبات معلماً بارزاً في منطقة الأعظمية، وبنيت كذلك الأبواب الرئيسية والسور، بينما شيدت فيه ساعة صنعها العراقي عبد الرزاق محسوب الأعظمي في عام 1961م، وما زالت تعمل حتى اليوم رغم القصف الأمريكي.


أبو حنيفة النعمان


أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفيّ (80-150 ه/ 699-767م) هو أول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي ويسمى مذهب أهل الرأي. اجتذب العلم أبا حنيفة رغم أنه تاجر ابن تاجر، درس واطلع على الآراء والعقائد في رحلاته العلمية التي اجتمع فيها بالسيد الباقر وولده جعفر الصادق، واتجه لاستخراج الأحكام من الكتاب والسنة والبناء عليها وتتبع آثار السلف، وتتلمذ على يد حماد بن سليمان 20 عاماً، وجلس مكانه بعد وفاته في جامع الكوفة، مسقط رأسه، ونبغ في علمه حتى عرف عنه أنه مؤسس دولة الفقه في العراق وصاحب أول المذاهب الإسلامية اجتهاداً وأخذاً بالقياس.
قضى النعمان 52 سنة في عهد الدولة الأموية الكبرى و10 سنوات في عصر الدولة العباسية، وتوفي 150 ه 789 م، يوم ولادة الشافعي في الثاني عشر من رجب وذلك بحسب كتاب «تاريخ جامع الإمام الأعظم ومساجد الأعظمية».


كلية عريقة


هي واحدة من أعرق الكليات عالمياً وعربياً، ففي سنة 459ه (1067م) تم إنشاء مدرسة الإمام أبي حنيفة التي تعتبر الجذور العلمية والتاريخية للكلية حالياً، وكانت حينها أول مدرسة منتظمة واسعة أُنشئت في العراق، وأصبحت محط أنظار العلماء وطلاب العلم في مُختلف أنحاء العالم الإسلامي آنذاك، وظلت متواصلة في عطائها العلمي عبر القرون اللاحقة.
سميت بكلية الأعظمية في 16 مايو أيار 1911م، وانتظمت الدراسة فيها حتى قيام الحرب العالمية الأولى، وفي 1923م صدر الأمر من الحكومة بجعلها تابعة لديوان الأوقاف، وصارت أكبر مدرسة في العراق، وتوالت القوانين المنظمة لعمل الكلية ومسؤولياتها وإدارتها، ففي سنة 1967م أُسست (كلية الإمام الأعظم)، وفي 1974م صدر قرار إلغاء التعليم الأهلي، معتبراً الأوقاف جهة أهلية فأممت هذه الكلية وألحقت بوزارة التعليم العالي مباشرة. وفي 1985م أسس «المعهد الإسلامي العالي» بغرض إعداد الأئمة والخطباء ليرتبط بوزير الأوقاف والشؤون الدينية وبات مقره في بناية الكلية المجاورة لجامع الإمام أبي حنيفة، بينما صدر قانون في 1997م بإنشاء كلية إسلامية في بغداد ترتبط بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
في عام 2003م، بعد الدخول الأمريكي للعراق، اجتمعت الهيئة التدريسية وقررت إعادة اسمها الأول (كلية الإمام الأعظم) لتعاود دورها في خدمة الإسلام، وتهدف إلى إعداد أئمة وخطباء ومدرسين متخصصين في مجالات الدعوة الإسلامية والخطابة وعلوم القرآن والحديث والتلاوة، كما تمنح الكلية درجتي الماجستير والدكتوراه.


معركة الأعظمية


تعرض جامع الإمام أبي حنيفة عام 2003م للقصف الأمريكي إثر معركة سميت «معركة الأعظمية»، تم على أثرها تدمير جزء من منارة الجامع وبرج الساعة والضريح وأجزاء أخرى داخل الجامع، وتحطمت المباني حول الجامع.
قام أهل الخير من أهالي المنطقة بحماية الجامع والمرقد وكلية الإمام الأعظم من محاولات التخريب، وقام ديوان الوقف السني بالتعاون مع عدد من الشركات المساندة وعائلات المنطقة بترميم الجامع والمرقد والبرج والساعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"