ترامب يهدد اليابان بالمعاهدة الأمنية

02:56 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد قنديل *

فوجئ اليابانيون بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة أوساكا اليابانية (في 29 يونيو الماضي)، والتي عبّر فيها عن رغبته في تعديل المعاهدة الأمنية التي أبرمت قبل عقود بين بلديهما، واصفاً هذه المعاهدة مجدداً بأنها «جائرة» ولا تعامل الولايات المتحدة بشكل «منصف وعادل».
رغم أن الرئيس ترامب أكد أنه لا يعتزم الانسحاب من المعاهدة، التي يصفها اليابانيون منذ وقت طويل بأنها ركيزة للاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادي، إلاّ أنه قال إنها تشكل «عبئاً كبيراً جداً» على الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه أبلغ رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بأنه يتعين تعديل هذه المعاهدة لأنها «غير متوازنة». وفسر الرئيس الأمريكي ذلك بالقول «إذا هاجم أحدٌ اليابان فإننا سنلاحقه ونخوض معه حرباً بأقصى قوة... أما إذا هاجم أحد الولايات المتحدة فلا يتعين عليهم فعل المثل.. يجب عليهم مساعدتنا أيضاً». وتعبيراً عن الفكرة نفسها، قال ترامب في لقاء مع محطة فوكس التلفزيونية في واشنطن (في 26 يونيو)، إنه «إذا تعرضت الولايات المتحدة لهجوم فإن اليابان ليست مضطرة لمساعدتنا على الإطلاق.. وسيجلس اليابانيون لمشاهدة الهجوم علينا على شاشات سوني».
وتأتي رغبة ترامب في «تعديل» المعاهدة الأمنية مع طوكيو في ظل مطالبه المتكررة من حلفائه، بل ومن منافسيه أيضاً، في آسيا وأوروبا بتحمل تكلفة أكبر في المصاريف الهائلة للقوات الأمريكية المنتشرة في العالم، معتبراً ذلك «عبئًا مفرطًا» على واشنطن. حيث غرد ترامب (في 24 يونيو) تعليقاً على هجمات 13 يونيو على ناقلات نفط في مضيق هرمز، بما في ذلك واحدة مملوكة لشركة يابانية، قائلاً إن «الصين تحصل على 91 في المئة من نفطها عبر مضيق هرمز، واليابان تحصل على 62 في المئة من نفطها عبر المضيق نفسه، كما يتشابه في ذلك العديد من الدول الأخرى. فلماذا تحمي (الولايات المتحدة) ممرات الشحن لصالح دول أخرى (سنوات عديدة) دون مقابل. كل هذه الدول يجب أن تحمي سفنها بنفسها».
المعاهدة الأمنية التي يرغب الرئيس ترامب في تعديلها تمت الموافقة عليها بين الدولتين في 8 سبتمبر 1951، وهو اليوم نفسه، الذي وقّعت فيه الدولتان أيضاً على معاهدة سلام أنهت الاحتلال الأمريكي لليابان، وهو الاحتلال الذي استمر في الفترة من 1945 إلى 1952 بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. وقد منحت هذه الاتفاقية وجوداً عسكرياً أمريكياً في اليابان في مقابل إنهاء الاحتلال واستعادة اليابانيين للسيادة على كافة الأراضي اليابانية. ورغم أن هذه المعاهدة، التي دخلت حيز النفاذ في 28 إبريل 1952، أدت إلى تغيير وضع الجيش الأمريكي من قوة احتلال إلى قوة شرعية، إلاّ أنها لم تنص صراحة على أية التزامات أمريكية بحماية اليابان والدفاع عنها في حالة تعرضها لأي عدوان خارجي، ما مهد الطريق لمراجعة المعاهدة لاحقاً في عام 1960. وفي النسخة المعدلة من المعاهدة، تعهدت الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان في حالة وقوع هجوم عليها، وهو الأمر الذي اعتبر بمثابة حجر الأساس للتحالف الأمني والاستراتيجي بين واشنطن وطوكيو طوال السبعين عاماً الماضية، خاصة أن الدستور السلمي الياباني، الذي وضعته قوات الاحتلال الأمريكي في 1947، نص صراحة، في المادة التاسعة منه، على عدم جواز احتفاظ اليابان بأي قوات هجومية، وإنما فقط الاحتفاظ بقوات للدفاع الذاتي.
وبموجب المعاهدة، يوجد حاليا حوالي 54 ألف جندي أمريكي متمركزين في 85 قاعدة في جميع أنحاء اليابان، وذلك حسب أحدث تقديرات الجيش الأمريكي. وقد اشتكى ترامب، خلال حملة الانتخابية عام 2016، من ارتفاع تكلفة الوجود العسكري الأمريكي في اليابان. حيث تنفق الولايات المتحدة على هذا الوجود حوالي 2.7 مليار دولار بينما تسهم اليابان بمبلغ ملياري دولار، وفقًا لتقرير صادر إلى الكونجرس الأمريكي عن دائرة الاستعلام والأمن في 19 أكتوبر 2018 حول العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان. وفي ضوء ذلك، يشتبه المسؤولون اليابانيون في أن الرئيس ترامب ربما يناور، بتصريحاته الأخيرة حول تعديل المعاهدة الأمنية، من أجل تعزيز موقف واشنطن التفاوضي للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن اقتسام التكاليف الخاصة بنشر الجيش الأمريكي في اليابان، خاصة أن الاتفاق الحالي سوف ينتهي في مارس 2021.
وإلى جانب ذلك، يفسر عدد من المراقبين مطالبة ترامب بتعديل الاتفاقية الأمنية مع اليابان في الوقت الحالي بعدة اعتبارات، لعل من أبرزها رغبته في الضغط على صانعي القرار في طوكيو في وقت يتصاعد فيه التوتر بشأن التجارة بين الدولتين. حيث يلوح الرئيس ترامب، منذ قدومه إلى السلطة في عام 2017، لليابانيين بأنه قد يسن تعريفات جمركية جديدة على واردات السيارات وقطع الغيار اليابانية، واصفاً إياها بأنها تهديد للأمن القومي الأمريكي - وهو مطلب دعا إليه صناع السيارات والعديد من المشرعين الأمريكيين، في ظل تنامي العجز التجاري بين الدولتين لصالح اليابان، والإضرار بصناعة السيارات الأمريكية.
من جهتهم، يرى عدد من دوائر صنع القرار الياباني أن المعاهدة الأمنية مع واشنطن «متوازنة» وليست «جائرة»، حسبما يصفها الرئيس الأمريكي. حيث تلزم هذه المعاهدة الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، مقابل حصولها على قواعد عسكرية تستخدمها واشنطن لنشر قوتها في عمق آسيا، بما في ذلك أكبر تركيز لقوات البحرية الأمريكية في الخارج في أوكيناوا، ونشر حاملة طائرات ومجموعتها الهجومية بقاعدة «يوكوسوكا» البحرية قرب طوكيو. وفي هذا السياق، يشير تقرير صدر عن خدمة أبحاث الكونجرس في يوليو 2009، إلى أن المعاهدة الأمنية مع طوكيو، تمنح الولايات المتحدة وجودًا عسكريًا استراتيجيًا لحماية «مجموعة من المصالح الأمنية الأمريكية في شرق آسيا»، لعل من أهمها مواجهة الصعود الصيني كمنافس محتمل لواشنطن، ومواجهة استفزازات كوريا الشمالية المرتبطة بتطوير برامجها النووية والصاروخية، ومواجهة وجود جماعات إسلامية متشددة مقرها في دول جنوب شرق آسيا، والاستعداد لإمكانية الصراع مع الصين على تايوان.
ومن ناحية أخرى، يرى عدد من الخبراء أن تعليقات ترامب الأخيرة حول المعاهدة الأمنية مع طوكيو «تُظهر جهلًا بالتاريخ». فهذه المعاهدة قد تم تصميمها في الأساس لمنع اليابان من إعادة بناء قوتها العسكرية مرة أخرى، حتى لا يتم تهديد المصالح الأمريكية في آسيا، بشكل مماثل لما حدث عندما انتعشت الإمبراطورية اليابانية قبل الحرب العالمية الثانية.
على أية حال، مطالبة ترامب بتعديل المعاهدة الأمنية مع طوكيو، تمثل اختباراً جاداً للتحالف بين الدولتين.

* خبير العلاقات الدولية والشؤون الآسيوية. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"