العلاقات الأمريكية - الباكستانية.. توتر دائم وتحالف هش

03:57 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. رضا محمد هلال*

اتخذت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب في بداية 2018 قراراً بتجميد المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية المقدمة للحكومة الباكستانية المقدرة بنحو 255 مليون دولار. ويثير هذا القرار عدة تساؤلات تتعلق بتداعياته على مستقبل علاقات التحالف والتنسيق الأمني المشترك بين الولايات المتحدة وباكستان، وماهية آليات الحكومة الباكستانية في التعامل معه، وهو ما يسعى هذا التقرير للإجابة عنها.

أولاً: مسارات العلاقات
الأمريكية - الباكستانية بين التعاون والتوتر:


على الرغم من قدم وتاريخية العلاقات السياسية والاستراتيجية التي تربط بين الولايات المتحدة وباكستان، والتي ترجع بدايتها إلى استقلال باكستان واندلاع الحرب الباردة بين كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة التي اختارت التحالف مع باكستان لمواجهة التحالف السوفييتي - الهندي المعادي لها في منطقة جنوب آسيا. ومع انتهاء الحرب الباردة بين الولايات والاتحاد السوفييتي وتفكك الأخير وزواله من الخريطة السياسية العالمية وبزوغ سبع عشرة دولة مستقلة بدلاً منه، تراجعت مكانة باكستان في اهتمامات صانع السياسة الأمريكية الذي اتجهت أنظاره لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الهند بما فيها من التعاون الفني والتكنولوجي فيما يتعلق بالمجال النووي بشقيه العسكري والسلمي، لمواجهة الصعود السياسي والاقتصادي العالمي للصين، التي اتجهت هي الأخرى لمساعدة باكستان في برنامجها النووي، ما مكّن باكستان من القيام بالتفجير النووي في مدة وجيزة لم تزد على أسبوعين من التفجير النووي الهندي في عقد التسعينات من القرن العشرين إبان حكومة نواز شريف الأولى، التي فرضت عليها الحكومة الأمريكية عقوبات عسكرية واقتصادية متعددة؛ لقيامها بإجراء التجارب النووية من دون التنسيق مع «الصديق والحليف» الأمريكي، وهو ما رفضه رئيس وزرائها آنذاك وإعلانه استعداد الشعب الباكستاني الموت «جوعاً» لقاء امتلاكه للتكنولوجيا العسكرية النووية لمواجهة الطموحات العدائية النووية للهند.
وعقب وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإعلان جورج بوش الابن الرئيس الأمريكي آنذاك شن حرب عالمية لمكافحة الإرهاب وبصفة خاصة في أفغانستان، أدركت الإدارة الأمريكية محورية الدور الباكستاني في استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في أفغانستان، لذا سرعان ما عادت علاقات التحالف والصداقة بين الدولتين التي ارتكزت على التعاون الكامل من باكستان، بما فيه من تقديم المعلومات الاستخبارية والأمنية والدعم اللوجستي الشامل لقوات التحالف الدولية في أفغانستان، نظير تقديم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية سنوية تتراوح بين 250 و275 مليون دولار ومساعدات اقتصادية تنموية تصل لقرابة ملياري دولار سنوياً. وخلال الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2016 إبان إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التي قامت بتصفية وقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» السابق في غارة أمريكية على مخبئه بإحدى البلدات الباكستانية في 12 مايو 2011، عاد التوتر مجدداً في علاقات الدولتين في سبتمبر من نفس العام، بعد اتهام رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق الأدميرال مايكل مولن في شهادة أدلى بها أمام الكونجرس جهاز الاستخبارات الباكستاني بدعم شبكة سراج الدين حقاني ومعاونة حركة «طالبان باكستان» في الاختباء، وإعادة الانتشار في مناطق الحدود الأفغانية الباكستانية، وتوفيرها الدعم المالي والعسكري لأفرادها.
ولم يكن دونالد ترامب بعيداً عن حالة وسياسة الشكوك الأمريكية في النوايا والسياسات الباكستانية، حيث أكد أكثر من مرة إبان حملته لانتخابات الرئاسة الأمريكية على نيته مواصلة الضغوط على الحكومة الباكستانية للقضاء على حركة «طالبان باكستان» وشبكة حقاني، من خلال تجميد وقطع المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية المقدمة لها. وطوال الفترة الممتدة بين بداية يناير ونهاية ديسمبر 2017 صدرت عشرات التهديدات والتصريحات الغاضبة من مسؤولي الإدارة الأمريكية، بدءاً من نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية تيلرسون ونهاية بنيكي هيلي، المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، والتي اتفقت جميعاً على اتهام باكستان بعدم الجدية في جهود مكافحة الإرهاب، وإيواء متطرفين أفغان من حركة «طالبان»، علاوة على ادعاء المسؤولين الأمريكيين قيام ضباط من الاستخبارات الباكستانية بدعم شبكة سراج الدين حقاني المتشددة والتي تتخذ، حسب الادعاءات الأمريكية، من منطقة شمال وزيرستان القبلية المحاذية للحدود الأفغانية مقراً وقاعدة للتخطيط لشن هجماتها ضد القوات والمصالح الأمريكية والغربية في أفغانستان.
وجاءت اتهامات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحكومة الباكستانية في مطلع يناير الحالي ب«الكذب والخداع وإيواء متطرفين»، في الوقت الذي تتلقى فيه مليارات الدولارات كمساعدات من الولايات المتحدة، لتشكل قمة التصريحات والاتهامات الأمريكية لباكستان، التي كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» في وقت مبكر عن نيتها وقف مبلغ 255 مليون دولار من المساعدات المتأخرة أساساً لإسلام آباد بسبب عدم تشديدها الإجراءات ضد المجموعات الإرهابية في باكستان.


ثانياً: ردود فعل وآليات الحكومة
الباكستانية لمواجهة الضغوط الأمريكية:


استبقت الحكومة الباكستانية المواقف والضغوط الأمريكية بعدة تحركات وسياسات أهمها: تفادي العزلة الخارجية، وتبني مبادرات دبلوماسية للتهدئة وتبديد مخاوف بعض الدول مثل إيران والصين، خاصة مع وجود قوى عسكرية وسياسية في باكستان تطالب بتقوية العلاقات مع إيران والصين لمواجهة التحالف الأمريكي - الهندي المتنامي، والاستعداد لمرحلة الانسحاب الأمريكي من جنوب آسيا، أما الصين فستصبح في الغالب دولة الجوار الوحيدة التي ستدعم باكستان، وتتيح لها شريان الحياة الاقتصادي، وبالتالي الحفاظ على أمنها واستقلالها الوطني في مواجهة التهديدات المتواصلة من إدارة ترامب. ونجحت الدبلوماسية الثلاثية الجديدة (الصين - أفغانستان - باكستان) في عقد أول الاجتماعات بالصين للتنسيق الشامل فيما بينها لاستعادة الأمن والاستقرار في أفغانستان وباكستان، وتنفيذ مشروعات للتعاون الاقتصادي المشترك في نهاية ديسمبر 2017.
علاوة على ما سبق لجأت الحكومة الباكستانية للتهديد بالمخاطر والتداعيات السلبية للقرار الأمريكي، حيث صرح المتحدث باسم الجيش الباكستاني الميجور جنرال آصف غفور، بأن تعليق الولايات المتحدة للمساعدات الأمنية سيقوض العلاقات الأمنية الثنائية بين البلدين وجهود السلام في المنطقة، كما لن يثني باكستان عن إصرارها على محاربة الإرهاب، حيث «إن بلاده لم تحارب أبداً من أجل المال بل من أجل السلام» وتعتمد بشكل كبير في حربها على الإرهاب على مواردها الاقتصادية.
مما سبق، يتضح أن التصريحات الأمريكية والقرار الأخير للخارجية الأمريكية بتجميد المساعدات العسكرية المقدمة لباكستان ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة في مسار العلاقات الأمريكية الباكستانية المضطربة، التي تعد حيوية وضرورية للولايات المتحدة في حربها العالمية المزعومة ضد الإرهاب، علاوة على نجاح الحكومة الباكستانية في تنويع علاقاتها وارتباطاتها الخارجية مما يخفف من الضغوط الأمريكية عليها.

*باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"