محمد عبد الله القاز.. العصامي الذي بنى لنفسه مجداً (١)

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
بقلم: عبد الغفار حسين
في منطقة الخليج العربي الذي نعيش على ضفافه، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، من النادر أن نجد في تاريخ الأشخاص أو الأسر ما يشير إلى التوارث أو تركات الميراث لثروات فيها السعة المتناهية في الحجم من أطيان وأملاك وقطاعات إنتاجية ورثها الأشخاص والأسر كابراً عن كابر لأكثر من جيلين، جيل الأب والابن وليس جيل الجد أو جد الجد كما هو الحال في المجتمعات الأكثر عراقة في التجارة والمال والاقتصاد والوعي الاجتماعي..
ونحن نتحدث هنا عن الفترة بين الثلث الأول من القرن الماضي وحتى مشارف انسلاخه في الثمانينات والتسعينات من القرن نفسه، حيث انهالت بعد ذلك الثروات وتدفقت، وخرج من بين الخليجيين أناس سالت من حولهم بطاح من الثروات والغنى، بشكل لم يكن للناس عهد به من قبل، وها نحن في أيامنا هذه نسمع في كل يوم أن فلاناً أو فلانين لم تعد الأرقام الحسابية العادية تستطيع أن تعد وتحصي الآلاف من الملايين التي يملكونها أو تلك التي تركوها لأسرهم وذويهم بعد الرحيل من الدنيا..
وعندما نتحدث عن أشخاص عاشوا بيننا وهم مخضرمون عاصروا ما كان عليه الحال في القرن الماضي ومشارفه، وقرننا الجديد الذي نحن فيه إلى أن يشاء الله، فإننا في الواقع نتحدث عن العصامية والجهد الشخصي الصرف في محاولة بناء الإنسان نفسه بنفسه اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وشق الطريق غير الممهد وغير سهل الاجتياز للوصول إلى الغاية التي يبتغيها..وعند هنا نصل إلى من يتمثل أمامنا، والشخصية التي خلقت لنفسها هذه العصامية التي أشرنا إليها، وهي شخصية محمد عبدالله القاز، الإماراتي الدبوي الذي رحل عنا رحمه الله بعد حياة حافلة وعمر امتد إلى مشارف التسعين من الأعوام وهو في كامل قواه الذهنية والفكرية..
ولقد كان محمد القاز من أولئك الذين لم يرثوا من آبائهم أو من أحد من أقاربهم أية ثروة مادية، فهو من ضمن العشرات والمئات الذين أوجدوا لأنفسهم ثراء المال المادي وثراء المجد المعنوي بشكل عصامي وبجهد شخصي، لأن الإمارات البلد الذي عاش فيه محمد القاز حياته كلها.. لم تتدفق الثروة في أراضيها إلا من فترة سنين قد لا تتعدى نصف قرن أو فوق ذلك بقليل، صحيح أنه كان هناك تجار وأصحاب حوانيت تجارية ومؤسسات في دبي، التي هي إحدى عواصم المال في المنطقة من بدايات القرن الماضي، لكن ما جناه التجار والمتعاملون في التجارة من الثروة لا يذكر بشيء، والكثير من هذه الثروات ضاعت في حياة التاجر قبل أن يورثها لورثته، كتجار الغوص واللؤلؤ على سبيل المثال، وإن أورثها أصحابها لغيرهم أصابتها البعثرة والتلف بسبب التوريث غير المنظم، وعدم وجود شركات أهلية أو شركات عامة يتوارث أصحابها أسهماً ومستندات كما هي في وقتنا هذا، وليست الثروة المادية بالشيء المهم الذي يلقى له البال أو تعطى له الأهمية في المجتمع المتحضر الذي لا يقيس قيمة الإنسان على ما يملكه من مال وعقار، بل على ما تحت يديه من زاد ثقافي ومعرفي وعلمي يساهم به في سير مجتمعه إلى الحياة الفاضلة، وقد يبرز ذو المال ويشق له طريقاً إلى المعالي إذا وفق للخير وسخر من ماله شيئاً لمثل هذا الخير.. وكم من أغنياء جاؤوا وذهبوا لا يحفظ لهم التاريخ في سجله خبراً يثير الاهتمام المجتمعي وكأنهم لم يأتوا إلى الدنيا ولم يوجدوا فيها، كما يقول شوقي:

وقد يموت كثيرٌ لا تحسُهمُ

كأَنهم من هَوانِ الخطب ما وُجِدوا

وللحديث صلة غداً
إن شاء الله..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"