أمر الله عزّ وجل عباده بإفشاء السلام، لما فيه من البركة، فقال تعالى: (فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة).
قوله تعالى: (فسلموا على أنفسكم) أي: فليسلم بعضكم على بعض صغيراً كان أو كبيراً لئلا يجعلوا القرابة والصداقة والمخالطة مبيحة لإسقاط الآداب، فإن واجب المرء أن يلازم الآداب مع القريب والبعيد. ووصفها تعالى بالبركة لما فيها من الثواب والأجر، ولاشتمالها على السلامة من النقص وحصول الرحمة والزيادة من كل خير، ولأن فيها الدعاء واستجلاب مودة المسلّم، ووصفها أيضا بالطيب، لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله وعند الناس، فسامعها يستطيبها، وهي مجلبة للمحبة والمودة.
وكثير من الناس يسأل: كيف السبيل لحلول البركة في بيوتنا؟ فيأتي الجواب من النبي الكريم، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا دخلت على أهلك فسلّم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك» فالسلام سبب للبركة، فإذا أردت أن يبارك الله لك في نفسك وأهل بيتك، فسلم عليهم كلما دخلت أو خرجت؛ فإن ذلك من أعظم أسباب البركة والخير والكفاية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ كلُّهم ضامنٌ على الله إن عاش رُزق وكُفي، وإن مات أدخله اللهُ الجنّة: من دخل بيته فسلّم، فهو ضامنٌ على الله، ومن خرج إلى المسجد فهو ضامنٌ على الله، ومن خرج في سبيل الله فهو ضامنٌ على الله). فحثوا أبناءكم وأزواجكم ووطّنوا أنفسكم على السلام عند دخول البيت حتى تكونوا من الذين ضمنوا من الرحمن، وأمنوا من ويلات الشيطان، ففي الحديث: (إذا دخلتم بيوتاً، فسلموا على أهلها، واذكروا اسم الله، فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته وذكر اسم الله تعالى على طعامه، يقول الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ها هنا ولا عشاء، وإذا لم يسلم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه، قال الشيطان لأصحابه: أدركتم المبيت والعشاء).
إن السلام اسم من أسماء الله، وهو طارد للشيطان وأتباعه الذين يكون معهم كل شر وشقاق وخلاف، وتمحق البركة بوجودهم، والسلام يجلب الملائكة الأخيار الذين تحل معهم بفضل الله الرحمة والسكينة والسعادة والهناء على البيت وأهله، فهم كما قال الله عنهم: (عباد مُكْرمُون).
قال كعب الأحبار: (لولا أن الله عز وجل وكّل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفكم الجن)، لقوله تعالى: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) وأحسن من قال:
وإذا العناية لاحظتك عيونها
نم فالحوادث كلهن أمان
وفي الآية الكريمة توجيه بالسلام وإن لم يكن في البيت أحد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن لم يكن في البيت أحد فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).
كل هذا التأكيد على إفشاء السلام من أجل نشر الأمن والسلام بين أفراد المجتمع؛ فإفشاء السلام قيمة، ومنهج حياة، وسبيل نجاة، على أن يكون سلاماً حقيقياً لا شكلياً، وأن يستحضر من يلقى السلام قيم السلام، وأن يكون الإنسان سلاماً حتى مع الحيوان والجماد ومع الكون كله، فلا يقطع شجراً، ولا يحرق زرعاً، ولا يخرب عامراً، ولا يهدم بنياناً، ولا يؤذي طائراً أو بهيمة أو إنساناً، بل يكون سلماً وسلاماً مع نفسه ومع الكون كله، ويلتزم بأمر الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين).
