القدس ملامح جيل يتشكل

متابعات في أجواء القضية الفلسطينية
13:33 مساء
قراءة 4 دقائق

ما هذا الجيل الذي سوف يتشكل مجددا؟ وما صفاته؟ وما العوامل التي ستؤدي الى نهضته من تحت ركام االسنين المتعثرة؟ وكيف يمكن أن يبنى مع الظروف الصعبة؟

القدس ملامح جيل يتشكل كتاب من تأليف محمد عدنان سالم صادر عن دار الفكر يتناول تداعيات الأحداث التي جرت في فلسطين، الأرض التي بارك الله فيها وما حولها ويحلل نتائجها ويستخلص عبرها ليستجلي منها مستقبلا واعدا. إنه جيل صعب ومستقبل لا بد آت. فكيف سيكون؟ وما استراتيجيته؟ وما أهدافه المرجوة وما نتائجه المرتقبة؟

يضم هذا الكتاب عددا من المقالات المتعلقة بالقضية الفلسطينية قدمها المؤلف تباعا بين أعوام 2004 و2009 وفي مناسبات شتى ألقيت فيها خلال لقاءات ومؤتمرات عديدة وهي تنساق في إطار واحد يجمعها هو إطار القضية الفلسطينية في ظروفها الراهنة ومستجدات الأعوام المذكورة لتتكامل في رؤية ذات أبعاد تتناولها على ضوء التطورات الأخيرة المتسارعة على الساحة العربية والدولية منذ مشروع الشرق الأوسط الكبير لإدماج إسرائيل ضمن منظومة دول المنطقة فمرورا بأحداث العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان في يوليو/ تموز من العام 2006 وتصدي المقاومة اللبنانية له وانتهاء بالمحرقة التي جرت على أرض غزة ما بين 27/12/2008 و17/1/2009 فاستنزفت المجزرة الإسرائيلية مزيدا من الدم الفلسطيني قتلا وإصابة بالآلاف وأسقطت منازل فوق رؤوس أصحابها وأحدثت دمارا هائلا ومع هذا قاومت البطولة الفلسطينية العدوان الشرس بما تستطيع خلال أيام مرعبة زادتها قوة وصلابة وخبرة.

هذه الحوادث الكبيرة المتتالية فتحت الذهنية العربية على حقائق جديدة ظهرت على الساحة قدمت للمفكرين الجادين منعطفات مهمة في القضية الفلسطينية خصوصا والعربية عموما وفي علاقة الشرق والغرب ورسمت خطوطا بيانية مختلفة عن المرسوم السابق.

هذه المقالات ربما تلخص المعطيات الجديدة بروح من الفكر المتعمق الذي يستنبط استنتاجات دقيقة قائمة على التحليل ويستشرف مستقبلا واعدا بناء على الواقع الراهن من خلال معايشة هذه الأحداث في السنوات المشار إليها.

ومن هذه الاستنتاجات: رسوخ ثقافة المقاومة المنبثقة من ضمائر الشعوب وحرية اختيارها وحركتها بمعزل عن ضروريات الأنظمة وجيوشها النظامية وارتباطاتها الدولية، وتمرس المقاومة وتطورها ونموها مستفيدة من تجارب حركات التحرر العالمية وتجاربها الخاصة ومرتكزة على الشباب وما يتمتع به من روح الاقدام والتضحية، إضافة الى الانعطاف التاريخي الملحوظ منذ جنين وحرب جنوب لبنان وصمود غزة من حالته العشوائية وردود الأفعال الآنية المفككة إلى حالة التخطيط والمبادرة والفعالية انعطافا لا يزال في بداياته يؤمل منه أن يبلغ مستوى التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى.

وأخيرا لئن كان في المقالات بعض أفكار مكررة في جزئياتها فذلك بسبب ما اقتضاه سياق الكلام وبعد الزمان بين مناسبة وأخرى ألزمت المؤلف التأكيد على ما يريد. وفي أحد المقتطفات نقرأ: عشية يوم جمعة من صيف عام 1966 اقترح أحد الأصدقاء أن نصلي الجمعة في المسجد الأقصى فما هي إلا دقائق حتى عقدنا العزم على أن ننطلق فجرا... ثلاثمائة ميل كانت تفصل القدس عن دمشق قطعناها مائة إلى درعا فمائة إلى عمان فمائة ثالثة أوصلتنا إلى باحة الأقصى. لم تستغرق رحلتنا أكثر من أربع ساعات متضمنة إجراءات الحدود حيث لم تكن قد أدركتها التعقيدات والهواجس الأمنية بعد. وكان النسيج العربي الواحد لا يزال السمة البارزة التي تطبع التصرفات كلها حيث لا فرق فيها بين رسمي وأهلي ولا بين شعبي وحكومي ولا بين سوري ولبناني وأردني. وفي باحة الأقصى بين المسجد وقبة الصخرة تحلق السوريون جماعات يتناولون فطورهم ويحتسون شايهم بينما كانت مجموعات من اللبنانيين تقوم بأداء الدبكة على وقع الدربكات يقضون سويعات الضحى بانتظار أذان الظهر وصلاة الجمعة. كل شيء حولنا كان عربيا لا أثر فيه ليهود..

وتساءلت... ترى لو تاقت نفس ولدي وأصدقائه إلى شد الرحال إلى الأقصى أولى القبلتين وثاني المساجد التي لا تشد الرحال لغيرها فمتى يمكن أن تتحقق أمنيتهم؟

فكرة قفزت إلى ذاكرتي وأنا أشاهد على التلفاز أهلنا في حي البستان في القدس يطردون من بيوتهم لتتولى الجرافات هدمها ضمن مسلسل إجراءات تهويد القدس وتغيير النسيج السكاني والديمغرافي فيها، يجري ذلك على مرأى ومسمع من العالم العربي والإسلامي والدولي كله.

وفي مقطع آخر من مقالة بعنوان ملحمة غزة ضمنها الكاتب الكتاب نقرأ: تسود المجتمع العربي حالة من الكلالة والعجز والشعور بالإحباط تشل فاعليته ليقوم بدور المنفعل بالأحداث بدلا من الفعل فيها ولتقوده بدلا من أن يقودها وليصبح جل نشاطه العام ردود أفعال تثور فجأة تلقاء أي وخزة مؤلمة ثم لا تلبث أن تهدأ نتيجة الاعتياد والتكرار يلفها الألف والنسيان.. هكذا تعامل المجتمع العربي مع القضية الفلسطينية وكل مصيبة كبرى ألمت به يتحرك فجأة إبان المصيبة يحاول أن يضمد بعض الجراح ويلملم بقايا بيته المهدم.. كيف حدث ذلك وكيف جرد المجتمع من فاعليته وهل كان ذلك تلقائيا وعفويا دونما تدبير أم أن إخراج الإنسان العربي والمسلم من ساحة الفعل كان ضرورة من ضرورات تمرير المشروع الصهيوني لاقتلاع شعب من أرضه وإحلال أشتات اليهود مكانه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"