لافروف وبومبيو.. اللقاء الصعب

04:09 صباحا
قراءة 5 دقائق

د. نورهان الشيخ


تأتي زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لروسيا ـ والتي بدأت أمس، وتستمر على مدى يومي «14و15 مايو/أيار الجاري» ـ، واجتماعه مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف، وسط تطورات سريعة بالغة الأهمية والخطورة للبلدين، وعلى الأمن والاستقرار العالمي. وقد تضمنت المباحثات مدى واسعاً من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية تم التطرق إلى بعضها خلال لقائهما العابر على هامش الاجتماع الوزاري الحادي عشر لمجلس القطب الشمالي في روفانيمي بشمال فنلندا يوم 8 مايو.
سبق أن هيمن على الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب يوم 3 مايو/ أيار، والذي دام قرابة ساعة ونصف الساعة، الاتفاق على أهمية «تفعيل الحوار بين البلدين في المجالات المختلفة، بما في ذلك قضايا الاستقرار الاستراتيجي»، في دلالة واضحة على الحاجة إلى بحث جدي وعميق للقضايا الخلافية بين البلدين، والتي تأتي في مقدمتها فنزويلا.
تزداد الأزمة في فنزويلا حدة، ويحتدم التوتر والاتهامات المتبادلة بين واشنطن وموسكو بتأجيج الصراع الداخلي في فنزويلا مع قيادة الأولى للمعسكر الداعم للمعارض الفنزويلي، خوان جوايدو، ومطالبتها بتنحي الرئيس، نيكولاس مادورو، وتأكيدها أنها «تقف إلى جانب الشعب الفنزويلي» في سعيه إلى الديمقراطية، واتهام الثانية للولايات المتحدة بمحاولة تدبير«انقلاب» على السلطة الشرعية في البلاد، وممارسة «لعبة خطرة»، ومحاولة دعم تمرد عسكري يوم 30 إبريل/ نيسان، انتهى بالفشل، ولجوء العسكريين المتورطين فيه إلى سفارة البرازيل في كاراكاس. ووصل الأمر حد تهديد ترامب بتدخل عسكري في فنزويلا في الوقت الذي أرسلت فيه روسيا في 23 مارس/آذار طائرتين عسكريتين على متنهما 99 عسكرياً، و35 طنّاً من مختلف الحمولات إلى كاراكاس، ما دفع الكثيرين إلى التخوف من مواجهة على غرار أزمة الصواريخ الكوبية في ستينات القرن الماضي.
الملف الثاني المطروح بقوة على أجندة الاجتماع يتعلق بكوريا الشمالية، فقد أوضحت القمة الأولى بين الرئيسين بوتين والكوري الشمالي، كيم جونج أون، في مدينة فلاديفوستوك الروسية، يوم 25 إبريل/نيسان، والتي تضمنت ثلاث ساعات ونصف الساعة من المباحثات، أن المسار الثنائي الذي بدأه ترامب للتعامل مع البرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية ليس فاعلاً، خاصة بعد استئناف بيونج يانج تجاربها في 19 إبريل/ نيسان، وضربها عرض الحائط ما قطعته من وعود خلال قمة هانوي بوقف التجارب، وأصبح من الضروري العودة للضمانات الجماعية، واستئناف المسار السداسي للمفاوضات الذي توقف وكان يضم روسيا والصين إلى جانب الكوريتين والولايات المتحدة واليابان. فقد أكد الرئيس بوتين عقب القمة، أهمية تعزيز الثقة، وتقديم ضمانات لأمن كوريا الشمالية، وسيادتها على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأن التزام بيونج يانج بتعهداتها، يجب أن ترافقه خطوات باتجاه تخفيف العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية. وتتفق واشنطن وموسكو على أهمية المضي قدماً في إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وتؤكد واشنطن أهمية أن تواصل روسيا ضغطها على بيونج يانج وصولاً إلى تجريد كوريا الشمالية من الأسلحة النووية. ويجعل هذا من روسيا محور تواصل مهم بين واشنطن وبيونج يانج، لاسيما بعد رفض الأخيرة رسمياً أي دور لوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، والمسؤول الرئيسي عن ملف المفاوضات.
لا يمكن أن تغيب أوكرانيا عن أي مباحثات روسية أمريكية، فهي الملف الحاضر الدائم على الحوار بين البلدين، وتأمل روسيا في طي صفحة الماضي التي كان الرئيس الأوكراني السابق بوريشينكو، طرفاً رئيساً فيها، وبدء حقبة جديدة مع الرئيس المنتخب فلاديمير زيلينسكي يتم خلالها إدخال اتفاق مينسك حيز التنفيذ، واستعادة السلام والاستقرار في شرق أوكرانيا. ولن يتمكن زيلينسكي من تغيير السياسة الخارجية الأوكرانية بشكل جذري والعدول عن التوجه الأوروأطلسي في ظل التكوين الحالي للبرلمان الأوكراني، إلا أنه أعلن أثناء حملته الانتخابية استعداده للحوار، ووعد بوقف الأعمال القتالية في الدونباس، وأكد أن السلام وحياة الجنود الأوكرانيين أكثر أهمية له من المكاسب السياسية. ويظل الأمر رهناً بتفاهمات جوهرية بين واشنطن وموسكو تساعد على دفع توجه زيلينسكي نحو تسوية نهائية للأزمة، وإعادة تطبيع العلاقات مع روسيا.
ويتصدر الملف الإيراني، الذي يشهد تصعيداً واضحاً، القضايا الشرق أوسطية، فقد نددت روسيا بشدة بالعقوبات الأمريكية الجديدة التي تستهدف صناعة التعدين في إيران، وأكدت وجوب اتخاذ تدابير؛ لتسهيل التعاملات المالية بغية مواصلة التبادل التجاري مع طهران، ودعت إلى عدم قطع العلاقات الاقتصادية معها على أن يشمل ذلك شراء المنتجات الإيرانية وخصوصاً في مجال الطاقة. ومن المعروف أن هناك تعاوناً بين شركة «أورال» للتعدين الروسية وإيران، ووقعت روسيا وإيران عقداً بقيمة 2.5 مليار يورو يتعلق بمشاريع في هذا الصدد. وتعد مجموعة «أورال» للتعدين واحدة من أكبر منتجي النحاس والزنك والفحم والمعادن الثمينة في روسيا، وتضم أكثر من 40 شركة في روسيا والخارج. كما تبدي موسكو قلقاً واضحاً من زيادة التعزيزات الأمريكية، ومنها إرسال حاملة الطائرات الأمريكية إبراهام لينكولن للشرق الأوسط، وترى أن الأمر يتجاوز مجرد تحذير إيران، وتخشى من إمكانية القيام بعمل عسكري أمريكي ضد الأخيرة، الأمر الذي سيزيد من تأزم الوضع في المنطقة بأسرها.
يضاف إلى ما تقدم مجموعة من الملفات الثنائية، لعل أهمها تلك المتعلقة بنظام الحد من التسلح ومدى إمكانية إبرام اتفاقات جديدة حول الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى تضم الصين، وسبل إجراء محادثات مع الصين حول هذا الموضوع.
وكان ترامب قد أعلن انسحاب واشنطن من معاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة مطلع فبراير/شباط الماضي، وكرد فعل علق الرئيس بوتين مشاركة بلاده في المعاهدة مما مثل تهديداً يقوض نظام الحد من التسلح، ونزع السلاح الذي تطور على مدى أكثر من ثلاثة عقود؛ وذلك منذ ثمانينات القرن الماضي، وكان حجر الزاوية في إنهاء الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، وكذلك لتمديد معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية التي وقّعتها الولايات المتحدة مع روسيا عام 2010، للحد من الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية، إضافة إلى الحد من أنظمة ربطها، والتي من المقرر أن تنتهي في 5 فبراير/شباط 2021.
ولا شك أن الوضع في سوريا احتل أيضاً مساحة واسعة في المحادثات خصوصاً أن المعارك الأخيرة في إدلب ضد «جبهة النصرة» الإرهابية، بدأت تثير قلق بعض القوى الدولية.
إن التناقض بين موسكو وواشنطن حول القضايا السابقة وغيرها أحاط لقاء لافروف وبومبيو بصعوبات وتحديات عدة؛ ولكنه يظل لقاء مهماً؛ لإعادة تأكيد الثوابت، وتوضيح كل طرف المدى الذي يمكن الوصول إليه، والذي لا يمكن تجاوزه في التفاهمات بشأنها، كما أنه يمهد للقاء مرتقب بين الرئيسين بوتين وترامب، على هامش قمة العشرين في اليابان، والتي من المقرر أن تُعقد في أوساكا في يونيو/ حزيران القادم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"