عوشة السويدي شاعرة اللهجة الأم

02:18 صباحا
قراءة 4 دقائق

تعتبر عوشة بنت خليفة السويدي شاعرة اللهجة الإماراتية الأم، والصورة المكانية الخلاقة، والمشروع الشعري الطويل الذي دام أكثر من سبعين سنة وحققت معه كل مناخات الكتابة الشعرية الإبداعية التي أنتجت نصا متميزاً يدل على نبرة خاصة واسم واضح في ميدان القصيدة الشعبية في الإمارات والخليج .

ولدت عوشة بنت خليفة السويدي في أبوظبي ثم أقامت في مدينة العين وبعد ذلك في دبي، وكانت تُعرف سابقا بلقب (فتاة الخليج)، ثم اختار لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لقب (فتاة العرب) بعد تكريمها وتقليدها وسام إمارة الشعر الشعبي في عام 1989 حيث أهدى لها سموه نسخة من ديوانه وقال:

أمثالكم في واسع الشعر ميدان

مثل الصحاري في فيافي رغدها

مثل الجواهر صافياتٍ بالالوان

ومن جد في نظم المثايل وجدها

فتاة العرب وانتوا لها خير عنوان

ومن غيركم باقصد معاني نشدها

كان لهذه الأبيات وقع كبير ومهم عليها، حيث تؤكد الاعتراف بشاعريتها وإشاعة الروح الثقافية في المحيط، فردت على سموه قائلة:

بك الأدب والفكر والشعر يزدان

وأنت القوافي لي اختلت سندها

تعطي البيان اللي تكلمت تبيان

فصح المعاني ماهر في سددها

وبدلت باسمي لي سبق خير عنوان

فتاة العرب وافت حظوظي سعدها

تمتلك عوشة بنت خليفة السويدي عمقاً لغوياً ينبع من مصادر الكلمة الفصحى وتاريخ المنطقة، وإسهاماً حقيقياً في تأسيس النص الغنائي في الإمارات على مدى أكثر من أربعين سنة حتى نستطيع القول إنها من الرعيل الأول في مجال الأغنية الشعبية الإماراتية من خلال عناوين قصائدها: حد مثلي بات مشجنة، مرحبا ومليون أمثاله عشر، أحاول نوم عيني بالغصايب، عزيل يا من قلبه اشتاق، يا شوق في المعلوق بي عوق، يا شوق هزنيه هوى الشوق، سلمت لك في الحب تسليم وعشرات القصائد التي غناها المطربون الأوائل في الستينات والسبعينات ضمن المشهد الغنائي الذي بدأ يتأسس على وفق خصوصية اللهجة المحلية وخصوصية الساحة الشعرية والايقاعية اللحنية في دولة الإمارات . . لقد غنى جابر جاسم قصائدها منذ بدايات حقبة السبعينات من القرن الماضي، وهي الفترة الذهبية التي قامت على أساس الإبداع الشعري أولا، ومن هذه القصائد يتذكر ذلك الجيل أغنية:

يا شوق هزّنيهْ هوى الشّوق

هزيز غصنٍ تاح الاوراق

كل غْرضٍ م الوقت ملحوق

إلاّ وصول الصّاحب شْفاق

لي صاحبٍ م الهذر مرفوق

ما تابع الدّلجين لاطفاق

عن الثّريّا منزله فوق

ومن الشّرف في سبع لاطباق

هزنيه تعني هزني، وهي مفردة فصيحة لكنها تتحول إلى تكوين خاص باللهجة المحلية في الإمارات مثل علّمني ( علّمنْيه ) بفتح الياء وإضافة هاء ساكنة، وليس بالضرورة أن تعني هذه الاضافات شرطا من شروط تبديل المعنى وإنما هي خصوصية تتكون عبر أزمنة وأجيال، وأحيانا تكون عاملاً جمالياً يلطف اللهجة . هذه الخصوصية المحلية في قصيدة الأغنية الرائدة في السبعينات، تدعو إلى البحث في مساحتها الواسعة غير المحددة، وهي خاصية نابعة من ثلاثة أبعاد: اللهجة كموضوع ومجتمع، والصورة كفن بنائي متكامل، والمكان وملامحه وعلاقات أهله وانتماءاتهم وحياتهم . هذه الأبعاد الثلاثة تلاشت في الأغنية الحديثة عموما وأصبحت العملية مجرد صناعة تبحث عن المطلع ومن ثم الحشو الفارغ ولأن الفارق كبير بين العمق والسطح، فإن شرح قصيدة فتاة العرب يستوعب الكثير من الجهد لاستخراج المعاني الكامنة في أعماق القصيدة .

لقد وجد جابر جاسم في مستهل انطلاقته الفنية خزينا هائلا من الشعر الجميل، الذي تصدرته قصيدة فتاة العرب، فاختار من قصائدها عددا كبيرا وقام بتلحينه بعد أن عاد من القاهرة حيث درس الموسيقى، فبعد قصيدة (يا شوق هزّنيه هوى الشوق) اختار جاسم القصيدة الثانية للشاعرة وهي أيضا على نفس الوزن والقافية (يا شوق في المعلوق بي عوق):

يا شوق في المعلوق بي عوق

رسمه على الفواد نتاق

يا كسر قلبي كسر مدقوق

في ناعم للبن خفاق

على نديم خذني ابوق

لزمٍ ولاهيّد بالارفاق

وجاءت التجربة الثالثة على نفس الايقاع الوزني والقافية والمفردة التي تعبر عن الشوق بكل تجلياته واستخداماته الفنية والموضوعية، وهي تجربة من المهم جدا أن تجد صوتاً كصوت جاسم الذي واكب هذه القصائد وراح يلحنها ويغنيها ويسجلها مع الفرق الموسيقية كلون فني متميز، هذه القصيدة الثالثة للشاعرة فتاة العرب هي (عزّيل يا من قلبه اشتاق):

عزّيل يا من قلبه اشتاق

شوق يرى به سافح الموق

شق الحشا وامست به اعواق

صنفه ينوع في الهوى ذوق

يمتاز به قلبي يا عشاق

والا عن الخالين مرفوق

إنها فتاة العرب . . الشاعرة التي تبقى في ذاكرة الأجيال والقوافي . تقول (جلب لي النسيم الهاب من صوبهم بعضا من رائحة الأحباب، وكم أتمنى لو أكون الطبيب لكي أجس نبضك، ولكي لا أقاسي من طول الليل وصنوف الحب ومعاناته):

ياب نسناس الهوى الدّايس

ريحته من نفحة عْطوره

بين عاضد موز وغرايس

بالنّدى تتفتّح زْهوره

جس نبضك للجسم رايس

خلّني للحّب دختوره

لفتاة العرب أسلوبها الخاص في الشعر، فهي لا تتكلف ولا تنظم الشعر، بل ينساب منها بتلقائية شديدة إلى درجة السهل الممتنع، بحيث نقرأ لها وكأننا نرى الصورة بكامل مشهديتها، وبشفافية عالية:

ما حدّ شروايه حمولي

للهمّ واسباب البلايا

لاسع سريج الويج يولي

في مهجتي واضنى بحشايا

والدّمع من عيني همولي

ومن هيرهم بتّ بوزايا

تقول: لا أحد مثلي يتحمل الهم والبلاء، حيث جمرة الحزن في الأحشاء لاسعة كالحريق، والدمع من هجرهم يهمل حتى صرت في حالة صعبة، وإلى اليوم لم يأتني منهم رسول ولا خبر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"