جمعة وسالم الرميثي ومبارك السبوسي يستحضرون حياة البحر والصحراء

تحدثوا عن رحلات الشتاء والصيف قبل 100 عام
02:43 صباحا
قراءة 8 دقائق

في شعبية السمحة من أطراف إمارة أبوظبي، جمعنا مجلس فاحت بين جوانبه رائحة التاريخ الممتد إلى أكثر من مئة عام، حيث التقينا كلاً من الوالد جمعة بن سعيد بن علي بن مصبح بن عامر بونعاس الرميثي وشقيقه الأصغر سالم، والوالد مبارك بن صالح السبوسي، حيث حملونا إلى عصر زايد الأول ورحلوا معنا رحلة الشتاء والصيف، حين كانت أكثر العوائل والعشائر ترتحل طلبا لموارد المياه ومواطن الاستقرار، حيث يوجد الماء والكلأ لهم ولمواشيهم وركابهم .

يقول العم مبارك بن صالح السبوسي ولدت في سويحان، حيث كان يسكن أهلنا في هذه المنطقة ويرتحلون بين مناطق كثيرة في أبوظبي والعين مثل غفر وبوصلاف والخرايج واللسيلي وسويحان وجبيل وتراب المر صوب دبي قرب جبل علي، والمناطق القريبة منا كانت بدوع خليفة وهي منطقة آبار ماء ونخل كثير، أمر بحفرها التاجر والوجيه الكبير خلف بن عبدالله بن عتيبة والد أحمد بن خلف وجد العتيبات المعروفين في أبوظبي ودبي، وأمر بالبناء على هذه الآبار بعد حياته الشيخ خليفة بن زايد بن خليفة والد الشيخ محمد بن خليفة والد الشيوخ حمدان وطحنون وسرور وإخوتهم، وهكذا عرفت لاحقاً باسم بدوع خليفة نسبة إليه .

عشت طفولتي كأي طفل عاش في زماننا وفي المناطق الصحراوية، حيث كان الناس يتوزعون ويبنون بيوتهم قرب وحول الآبار، حيث كانت بئر الماء تعني الحياة والاستقرار للناس والقبائل، عندما بلغت الخامسة من عمري درست مع من هم في سني بعض الوقت عند المطوع بن دميثان القمزي وهو من أهل أبوظبي والذي ظل قليلاً بيننا ثم رحل عنا وطلب العين، وكان من المطاوعة الذين ينزلون عندنا ويصيفون معنا، عمر بن أحمد بن غانم بالشيخ وهو من أهالي وسكان دبي، وكذلك كان من المطاوعة الذين عرفناهم ومروا على أهالينا وصيفوا عندنا أو شتوا المطاوعة حرقوص، وجابر بن عيسى، ومحمد بن عيسى وسعيد بن علقاه المطيوعي من آل شغيب من المزاريع، وأحمد بن عذبة المطيوعي وبن حبيشة، وكان هؤلاء يسكنون واجهة دبي في منطقة تراب النخرة، ومن أهالينا والساكنين معنا كان سعيد بن أحمد الرميثي وسعيد بن علقاه المزروعي والد أحمد بن علقاه المعروف حاليا في أبوظبي .

الفرس وصغيرها

يقول الوالد سالم بن سعيد بن سيف الرميثي: عاصرت أواخر فترة حكم الشيخ زايد بن خليفة المعروف في يومنا الحالي بزايد الأول (1855-990_)، وعاصرت عهد كل من حكم من بعده من أبنائه وعاصرت جميع الأحداث التي شهدتها أبوظبي في تلك الفترة وشاركت في بعض أحداثها التاريخية، وكنت أرى الشيوخ مرارا وتكرارا وهم يبرزون أمام الحصن عند زيارتي لأبوظبي، وكنت أذهب إليهم مع مطر بن حاضر وسعيد بن ميزر وخميس بن عبيد، وأذكر أنه في أواخر أيام الشيخ زايد الأول كان يحضر إلى مجلسه أمام الحصن وهو محمل على سرير يحمله أربعة خدم، حيث كان قد أصابه المرض الذي أثر فيه كثيراً، وكان قبلها وبأشهر قليلة قبل مرضه الأخير يركب الفرس بنفسه، فقد كان يتحرك دائماً بين مناطق أبوظبي على ظهر فرسه ربدان .

كانت للشيخ زايد بن خليفة فرس تدعى كحيلة أهداها لجدي مصبح بن عامر بونعاس، وقام جدي بأخذها إلى العين وهناك حملت وأنجبت فرساً أسماها ربدان نسبة إلى والد الفرس كحيلة والدتها، وبعد بلوغها واشتداد عودها قام والدي بجلبها إلى الشيخ زايد بن خليفة وقال له: يجود علينا الكرام ونحن ببعض ما جادوا علينا نجود، وهذه ربدان بنت كحيلة عطيتكم لنا ونرجوكم أن تقبلوا هديتنا إليكم، فقبل الشيخ زايد الهدية، ولما أراد جدي العودة على ظهر كحيلة أبت كحيلة أن تتحرك وكأنها لا تريد فراق صغيرها، وقام جدي بسحبها مكرهة من موضع وقوفها، وما إن خرج من أبوظبي يبتغي العين حتى أخذت تتوقف في الطريق بين الحين والآخر إلى ان رمت بنفسها على الأرض، فقال جدي ما كل هذا العناد في الفرس، هل حب وليدها وفراقه أتعبها أم حنينها إلى صاحبها الشيخ زايد قد عاد إليها؟ فرجع إلى أبوظبي وقصد مجلس الشيخ زايد وما إن وصل عنده حتى أنشد قصيدة يذكر فيها حال الكحيلة معه، والقصيدة هي:

هذي عطيتنا مع بن نهيان

جزيل العطايا لي شبوره طويلة

ياما عطانا مصبح نصب الآذان

ما بين مسراها وومية شليلة

يازين مسراها يلي هيش لعنان

شروات ظبي فرّ خمّ الجميلة

منسوب ما بين الكحيلة وربدان

ياخذ من العودة المد ومثيله

إن أتعبوهن وضربوهن بالأرسان

عطية شيوخ بالعطايا جزيلة

على عرابي زهن بالشمالي

مشغوب قلبي من رهيم الكحيلة

وأحمد المعبود رب الجلالي

بطعمك بر ولا عليه عضيلة

شيوخنا لي حاملين التوالي

يا لين تنزو صوب دارك خيار القبيلة

إمبيّس غرب وينوب وشمالي

كل القبايل من فرقها ذهيلة

كما كانت للشيخ زايد بن خليفة العديد من الركاب، وأذكر منها ناقته مصيحان وناقته غزيلة وكان في أوقات الحرب يمتطي ظهر الغزيلة، كما أذكر بعض أسماء نوق حامد بن بطي القبيسي وهي معراض وحمرا عين .

يذكر الوالد جمعة بن سعيد أنه كان موجوداً في منطقة الفطيس في أبوظبي، حين حضر موكب الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان قادما من الشارقة ومعه إخوانه الشيوخ هزاع وخالد وزايد، وقد تمت مبايعته بالحكم خلفا لعمه الشيخ صقر بن زايد وكان الموكب يسير تتقدمه الحربية وعلى رأسهم سعيد بن مبارك المنصوري وأخوه محيميد وحميد بوصبيه وهم أخوال عمه الشيخ خليفة بن زايد بن خليفة، وجاؤوا به إلى حيث يوجد خلف بن عبدالله بن عتيبة وقيلوا عنده وباتوا في مجلسه، وفي الصباح توجهوا إلى أبوظبي حيث قصر الحصن فكانت البيعة .

موارد المياه

كنا وعائلتنا نسكن وأكثر الرميثات كذلك في منطقة بدوع خليفة التي حفرت منذ القدم على نفقة خلف بن عتيبة، وأمر ببنائها الشيخ خليفة بن زايد بن خليفة، وكنا نشتي عندها ونصيف، وأحيانا نرحل إلى السميح في المنطقة المعروفة باسم الدويبة التي تقع بقرب الشريعة في الطف، وكان الشيوخ يسكنون وينتقلون بين مناطق عديدة مثل حبل غراب وغرابي وغناظة، وكان الشيخ خليفة بن زايد بن خليفة كثيرا ما يسكن في هذه المناطق وكانت له فيها البيوت .

ويقول الوالد سالم حفرت مع أخي غانم طوي (بئراً) جنوبي منطقة بومريخة وكان ماؤها خورا أي مالحا، ويقع الآن مكان هذا الطوي قصر الشيخ حمدان بن محمد بن خليفة آل نهيان .

كانت الدويبة مكاناً لسكن البدو وأكثرهم من الرميثات من بني ياس، وأذكر من كبارهم خميس بن عبيد وأحمد بن محمد وعبيد بن عبدالله، وكنا كثيرا ما نرحل ونسكن مع آل بوالخيل من المناصير في المناطق الداخلية مثل بوأرطاه، وويه أرنب (أي وجه أرنب، وسميت كذلك لأن كثبانها الرملية تشبه وجه الأرنب) وسويحان والختم واليحر قرب الجري ونقرة .

وكنا أيضاً نشتي في المر والذباح من مناطق دبي التي نشتي فيها عند ربعنا وأهلنا ثم نعود وأحيانا عند عسر الحال نكد عندهم أو ننقل الملح والمالح (السمك المملح) والحطب على ظهر بعير أو بعيرين لننقلها إلى العين ونجلب منها الرطب، كما كنا نقصد منطقة البريمي ومنها ننتقل بين مناطق وصعرا وهيلي وبطحة بن هلال والمناطق المحيطة بها، حيث نمرح الركاب في كل منطقة ونظل فيها مدة ومن ثم ننتقل للمكان التالي وهكذا، حيث كنا ننزل النساء اللاتي يقمن بتحضير القهوة والبلاليط والخبز، ونقيل ونمسي وفي الصباح نسرح ونذهب لموقع آخر وهكذا، وكنا نعتمد في طعامنا على صيد الأرانب والضب والظباء أحياناً كثيرة، وفي الليل نسخن اللبن ومن ثم ننام . وفي الصباح نسرح وننتقل بين المناطق، وكنا نرحل أيضا إلى العين وكنا نصلها بعد سبعة أيام ونمر مناطق سويحان وبوصلف وندالشبا واللسيلي واليحر ونقره والجري، وهذه كلها موارد مياه تتجمع حولها الأسر والعشائر، وكنا نقصد في العين البطحة حيث الفلج وما العامرية أي ماء أو بئر العامرية، والتي بنى فيها الشيخ خالد بن سلطان مزرعة وزرع فيها مختلف أنواع الخضار، وكنا في طريقنا نمر على موارد المياه وتجمعات القبائل والعشائر والأسر، وكان على مورد الحفير وغفر بيت سعيد بن أحمد وسلطان بن أحمد من آل بوفلاسا، وبن يوله القمزي، وسالم بن فريوه وسعيد بن فاطمة، وعلى مورد اللسيلي كان عبيد بن زعل وبخيت والمر وسعيد بن تعيزه وعتيق بن عبيد وهؤلاء من المشاغين، وسميوا بالمشاغين لأن جدهم وقع من على ظهر ناقة أثناء ترحال القبيلة ليلا دون أن يشعروا بذلك، وعثرت عليه بعض الأسر وربته إلى حين ظهور أهله الذين سموه المشغوني، وهم من آل بوعميم من عشيرة آل بومهير الياسية ووسمهم مثل وسم آل بومهير وهي علامة تعرف باسم قراعات .

سكنى الجزر

كنا وأكثر الرميثات نسكن السعديات وكان أهالينا يحفرون الآبار ويبنون بيوتهم من اليواني وسعف واليريد، وكانوا يسكنون جزراً أخرى مثل رأس غراب والحيوره والركبات .

أحمد بن مصبح بونعاس وأخوه علي الذي هو جدي، أول من سكن جزيرة أبوظبي من الرميثات من أهل السمحة، ثم سكنا الزبارة وتسمى زبارة بونعاس والقرمه، وحل في مكان الزبارة بيت الشيخة مريم بنت راشد بن عتيبة زوجة الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، وقد سميت السمحة بهذه التسمية لاْستواء أرضها وكثرة آبارها، حيث تصل إلى إحدى عشرة بئراً فيها الماء، وكنا نملأ السعن (القربة) بالماء وكانت تكفينا ليومين، فلهذه الأمور سميت السمحة لسماحتها وسكنى الناس فيها باْرتياح ورحابة وراحة، وكنا وكذلك آباؤنا نعيش في هذه المنطقة على تأجير البوش (الإبل) ونقل الحطب والثمام والحشيش، وفي الصيف كنا نعيش حياة البحر وكنا غواويص وسيوب .

وقد درسنا عند المطاوعة وأذكر منهم أبناء عبدالله بن حميد، وكان الكثير من الأهالي ممن يرغب في تعليم أولاده يبعثون بهم إلى أبوظبي أو العين لتعلم أمور الدين، وعند عودة البعض بعد مدة طويلة وتلقيه لعلوم الدين يصبح إمامهم، وأذكر من المطاوعة رجلاً يسمى الشيخ بدر ولا أعرف لمن ينتمي من القبائل وأعتقد انه من جهة الشمال من قطر، وكان يعقد القران ويحل بالقضاء .

حياة البحر

كنا في الصيف ندخل البحر في رحلة الغوص وصيد اللؤلؤ، وكانت هذه الحياة صعبة وقاسية ومميتة لكثير من الناس أحيانا، وكانت فترة الغوص بالغة المعاناة، وقد عملت في حياتي مع الكثير من النواخذة الذين دشيت (أي دخلت) معهم رحلات الغوص أنا وإخواني غانم وسيف وسالم وكنا غواويص يرايير، وأذكر من هؤلاء النواخذة وأصحاب السفن حامد بن بطي القبيسي جد الشيوخ، وسلطان بن راشد الرميثي والد عبدالله الذي يعمل حالياً في دائرة بلدية أبوظبي، وعبيد بن ثاني بن عقران المنصوري، وحميد بن عذبة الرميثي، أحمد بالعبد المهيري، ومبارك بن فاضل المزروعي وكان أحد الرجال المقربين عند الشيوخ، وكنا ندخل معه كل ظهر شهري، وكانت سيرانا ومدانا مع بعض الرميثات وآل بومهير .

تركت البحر وتوجهت مع سبعة أشخاص أذكر منهم سيف بن سلومة والعور وحمدان المزروعي ومرزوق وخلفان بن سلومة، توجهنا إلى قطر وعملنا في بناء فرضة مسيعيد وكان معنا الكثير من المزاريع والمناصير من أهل أبوظبي وظللت هناك لمدة سنتين ومن ثم توجهت إلى دبي وهناك اشتريت ناقتين وتوجهت بهما إلى العين وهناك تناتجت الناقتان حتى أصبح لدي أكثر من خمس وأربعين من الإبل بين ناقة وبعير .

وكان آل بومهير لهم البطين مع قبيلة السويدي، ومن كبارهم الذين أذكرهم عبدالله بن حميد وسلطان بن راشد والد عبدالله موظف البلدية المعروف في يومنا الحالي .

كان سوق أبوظبي يقع قرب حصن الشيوخ، وكنا نقصده لشراء احتياجاتنا مثل الطحين والرز والسكر والسمن، وكنا نبعث بعض الرجال بين اليوم واليومين لشراء المؤونة لنا ولأهالينا، وكان الواحد يجر خلفه مطية أو مطيتين ويحمل عليها الحطب والصخام والثمام والحشيش ويبيعها في سوق أبوظبي وبثمن ما باع من بضاعة يشتري ميرته أي احتياجاته .

وكانت أسعار البضائع في تلك الأيام رخيصة، حيث كانت قلة التمر البصري الخنيزي تبلغ نص روبية، وثلاثة أمنان الطحين بنص روبية، وعدة الرز بسبع روبيات، وكنا نجلب من العين التمر وكانت أنواعها الفرض والنغال والخنيزي والجبري والخصاب .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"