اسلك هذا الدرب

03:41 صباحا
قراءة دقيقتين
نحن في العادة سطحيون جداً ومتغطرسون لأبعد الحدود، من دون تعميم ننفث سموم أخلاقنا على وجوه جريحة، وبألسنتنا الحادة نطعن أجساداً أنهكها الهم، نفعل ذلك لأنهم تعرضوا لنا بإساءة ما كان من الممكن أن نتجاوز عنها .
متعاطفون مع أنفسنا، متجهمون، قاسون، وبمجرد أن نعرف الأسباب النفسية التي دفعت الطرف الآخر للإساءة لنا فإننا نظهر مشاعر الندم والحسرة ونكرر "لم نكن نعلم" . في الحقيقة لم يكن من الضروري أن نعلم، كان من الضروري أن نتجاوز ونسامح، فالإنسان كهف عميق غامض والحياة إعصار ثائر .
الكاتبة كارولين ميس تقول: "قلما يتحدثون عن الرحمة لأنها باتت كلمة نادرة، فكيف الطريق إليها؟ هل في عدم الحكم على الآخر أم بالتحدث معه بلطف أو بالتعاطف معه؟ قم بهذه الأمور فربما تجد الرحمة في طريقك" عندما تسير في الشارع تتخيل أن الحياة أنت محورها والهموم التي تعيشها وحدك من يقاسيها، لكن الحقيقة لو نظرت يميناً أو يساراً فسوف تلمح أجساداً أخرى تشاركك هذه المعركة وفيها قلوب تنبض بالحياة وعقول حالمة ولديها رغبات وتطلعات وأماني وهم أيضا يحملون من الهموم مثل ما تحمل أو أكثر ومن الألم مالا يمكن أن تتصور .
لتكن إنساناً، فلتسامح، ولتغفر عثرات من يشاركك المكان، فلا أحد منا يحب أن يظهر كسيراً وضعيفاً، ولن يطلعك هذا أو ذاك على ملف حياته المملوء بالندوب لكن الصدامات تقع والخلافات تستمر لذلك لا تكن جرحاً إضافياً، سامح .
يقول دانيال ليفين: "أشعر بآلام الغير، تفهم معاناتهم وإخفاقاتهم ومتاعبهم وقصورهم، افتح قلبك لهم وتأكد أن كلاً منهم يعمل أقصى ما يستطيع، لا تحكم على أحد، بل احضن كل الإنسانية إلى قلبك" .
ولماذا أذهب بعيداً وقيم إحسان الظن والتسامح من أعظم المبادئ الإنسانية الراسخة التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف، ولكن مع الأسف بات تطبيقها يتضاءل في خضم الحياة العملية والمزدحمة . واضح من دون أدنى شك أن بعض البشر لا يسعون لالتماس الأعذار لبعضهم بعضاً، بل على العكس يطعنون في الظهر ويوقعون بعضهم في مشاكل جمة، هذا لأن كل فرد يسعى لتحقيق الأمان والنجاح في حياته حتى لو اضطر إلى أن يسلك دروباً ملتوية ولكن لو توقف للحظة وهدأ دماغه عن التفكير بلؤم لاتضح له أن كل ما يفعله هو كشرب الماء المالح، لن يرتوي وسيزداد عطشاً وأذى فالنجاح بهذه الطريقة ليس إلا وهماً وسراباً يتراءى للتائه في الصحراء . لعل القول المأثور " كما تدين تدان " قانون راسخ في ميزان القدر، لا أحد ينجو من العدالة الربانية، لذلك بدلاً من التخبط والخسارة ومحاولة إيذاء الآخرين كن بسيطاً، صادقاً، كريماً ومسامحاً . . هذا هو الدرب الوحيد الذي يمكن أن تسيره كإنسان وتنجح، بل هو الطريق الوحيد الذي ستجده يختصر عليك الوصول لغاياتك وما تصبو إليه .

شيماء المرزوقي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"