متلازمة ريت أبقتها بعمر 18 شهراً

ترجمة: محمد إبراهيم
كان إنجاب مولودة تعاني متلازمة-ريت" (Rett Syndrome) بالنسبة إلى البريطانية بيث جونسون يعني "أن تفقد طفلاً ما زال معك" .
وتصف بيث جونسون (35 عاماً) ما حدث لابنتها هانا بقولها: "كانت هانا حتى بلوغها من العمر 18 شهراً، واعية، ومتجاوبة وتنمو بطريقة طبيعية، ثم فجأة وبدون أية مقدمات بدأت طفلتنا الجميلة تتلاشى، كانت حية لكننا لم نعد قادرين على التواصل معها" .
قد بلغت هانا من العمر الآن السنة السادسة من عمرها، بيد أن مقدراتها الذهنية لا تتخطى مقدرات طفل عمره 18 شهراً، وتبدو هذه الحقيقة الصادمة، جلية حينما تلعب مع أشقائها .
وحال هانا كحال شقيقها الصغير، فهي تبكي وتصرخ كثيراً، وتحاول أكل كل شيء في متناول يديها، وتشد شعرها وشعر شقيقها وتجد صعوبة في حمل نفسها .
في الآونة الأخيرة، ولحسن حظ أسر ومصابي متلازمة ريت، ذكر علماء أوروبيون أنهم قد يتمكنون قريباً من القضاء على هذا المرض وذاك بعد ان نجحوا في التجارب على تخليص الفئران منها .
ويصاب طفل واحد من كل 12 ألف طفل بمتلازمة ريت، بيد أن كثيراً من الناس لم يسمعوا بها .
ومتلازمة ريت هي مرض وراثي نادر يسبب اضطرابات شاملة في النمو ويؤثر بشدة على دماغ المصاب حيث يفقده القدرة على الاحتفاظ بما اكتسبه وتعلمه من خبرات ومهارات كالسير والنطق، وكثيراً ما تصاحبها درجة من درجات التخلف العقلي بالإضافة إلى ما تسببه من إعاقات حركية أو إعاقة تواصل ونوبات صرعية . ويتعلق المرض بالتوحد .
ويبدو الأطفال الصغار المصابون بمتلازمة ريت في حالة نمو وتطور طبيعيين في بداية الأمر؛ ولكنهم يتوقفون عن النمو في مرحلة بين الشهر الثالث والسنة الثالثة .
وتصيب متلازمة ريت الاناث فقط . وتبدأ أعراضها في الظهور بعد الأشهر الستة أو الاثني عشر الأولى من عمرها، ويعتقد العديد من الباحثين أنها ذات أساس وراثي له علاقة بالكروموزوم .
ويمكن تقسيم تطور هذا المرض إلى 4 مراحل:
* خلال المرحلة الأولى، منذ عمر 6 حتى 18 شهراً، يتباطأ نمو المولود، ويفقد رغبته في اللعب، ويمتنع عن التواصل بعينيه، ويبدأ في المشي بطريقة غربية، ويأتي بحركات مكررة بيده .
* المرحلة الثانية، التي تعرف ب"التدهور المضطرد"، تبدأ بين السنة الأولى والرابعة من عمر الطفل المصاب . وفي هذه المرحلة يجد الطفل صعوبة في التواصل والتعلم، وفي الغالب يصاب بتدهور في وظائف دماغية أخرى . وتشمل الأعراض عدم المقدرة على التحكم في الأيدي، حزن وألم مصحوبين بصراخ، عدم استقرار وتقلبات مزاجية، مشكلات في التنفس، صعوبة في النوم، نمو بطيء للرأس ومشكلات في الهضم .
* المرحلة الثالثة تسمى الهضبة، وهي تبدأ في المرحلة العمرية من 3-10 أعوام . وفيها تصبح الأعضاء لينة، وقد يصاب الطفل بصرع ويفقد وزناً ويختبر اصطكاكاً أو متاعب في أسنانه . بيد أن كثيراً من الآباء يقولون إن أطفالهم يظهرون اهتماماً أكبر بمحيطهم ويصبحون أقل حزناً وكدراً .
* المرحلة الرابعة والأخيرة يمكن أن تستمر لعدة عقود . وفي الغالب يحدث تقوس شديد للعمود الفقري، إضافة لفقدان المقدرة على السير .
وتنجم جميع الحالات تقريباً من تغير في جين MECP2 الذي يمنع خلايا عصبية في الدماغ من العمل بطريقة سليمة .
وفي الوقت الراهن لا يوجد علاج ولذلك يلجأ الأطباء لمعالجة الأعراض فقط . ومن يعانون هذه المتلازمة قد يعيشون حتى يصلوا لمرحلة الأربعينات من عمرهم بيد أن الأغلبية يلقون حتفهم قبل سن ال 25 .
وقد أدركت بيث وزوجها فينس، أن صحة هانا لم تكن على ما يرام حينما بدأت تستجيب بطريقة غريبة لمشاعر الناس .
وتقول بيث: "استجاباتها الطبيعية تبدلت، فقد كانت تتضايق كثيراً إذا ضحك شخص بجوارها . وهذا الضيق يكون مصحوباً بصراخ يصعب احتماله" .
ولاحقاً أصيبت بتباطؤ مفاجئ في نموها، ولاحظ الممرضون أنها كانت تصاب برعشة بين الحين والآخر .
وقد عرض بيث وفينس هانا على طبيب، لكنه قال لهما إنها لا تعاني شيئاً، لأن نموها وبالرغم من بطئه كان طبيعياً . بيد أن وضع هانا تدهور بعد ذلك حتى بلغ مرحلة باتت فيها تشد شعرها بقوة حتى تقتلع حفنة منه بيديها .
وتقول بيث: "لم يستطع الأطباء توصيف ما تعانيه، حتى حينما بلغت هذه المرحلة من التدهور . كان الأمر محبطاً للغاية" .
وفي النهاية أظهرت الفحوص السبب الحقيقي . وحينما تم إخبار الزوجين بحقيقة مرض طفلتهما، نصحهما الأطباء بعدم البحث في الإنترنت عن معلومات تتعلق به، لأن الأطباء كانوا يرغبون في منعهما من تخويف أنفسهما .
ومنذ تلك الفترة أخذت مقدرات هانا تتدهور باضطراد . وكانت تسير لساعات في الليل، وباتت بحاجة إلى روتين صارم، وكانت تصرخ وتبكي لفترات طويلة إذا اختل هذا الروتين .
وتقول بيث: "حياتي ليست كما تخيلتها . فقد بات ينبغي علي أن أسبق هانا بعدة خطوات طوال الوقت، لأن عدم توقع حدوث خلل في نظامها أو روتينها يمكن أن يؤدي إلى عواقب سيئة . فإذا تأخرت دقائق قليلة عن فترة إطعامها، تصبح متضايقة للغاية وتأخذ في الصراخ وقذف أشياء حول الغرفة . ولذلك فانه بعد ما حدث لهانا بت أحرص على تقدير أبسط الأشياء . ابتسامة صغيرة من هانا قد تسعدني طوال اليوم" .
وفي الوقت الراهن لا تأخذ هانا أي دواء .
وحتى وقت قريب كان الأطباء يعتقدون أن أمراض النمو العقلي لا يمكن التغلب عليها .
وفي العام 2007 أجرت جامعة إدنبره دراسة تمكنت بواسطتها من تخليص فئران تجارب من متلازمة ريت، وهذه الدراسة منحت المصابين وأسرهم بصيصاً من الأمل" .
وقال الدكتور أدريان بيرد الذي أشرف على إعداد هذه الدراسة: "الفئران كانت مصابة بفيروس أحدث تحولاً في جين وأبطل الأعراض . الفئران مختلفة عن البشر، بيد أن هذه التجربة البحثية تعد مؤشراً على إمكانية ابتكار أدوية وعلاجات تتغلب على هذا المرض" .