«إسرائيل».. تصعيد سعار الاستيطان

03:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

لم يضعف انشغال الاحتلال بالانتخابات المعادة وأزمة تشكيل الحكومة ولا التوتير الأمني على مختلف الجبهات ولا حتى قرب حسم ملفات الفساد ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من شهوة توسيع الاستيطان. فقد أكدت حركة «السلام الآن» أن كل هذا الانشغال في مختلف جوانب الحياة لم يمنع حدوث زيادة في أعداد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة بضعف الزيادة السنوية للسكان في «إسرائيل».
أشار تقرير صادر عن هذه الحركة التي تناهض الاستيطان وتعتبره العقبة الأهم أمام حل الدولتين وفرص تحقيق السلام مع الفلسطينيين، أن معظم الزيادات في أعداد المستوطنين تمت في مستوطنات يفترض إخلاؤها في حال إبرام اتفاق سلام.
ونقل تقرير حركة «السلام الآن» عن جهاز الإحصاء المركزي في «إسرائيل» معطيات تفيد بأن عدد المستوطنين في الضفة في نهاية العام 2018 وبداية العام 2019 بلغ 472800 مستوطن، يشكلون ما نسبته 4.77% فقط من مجموع سكان الكيان. وأن معدل النمو السكاني في العام 2018 بلغ 1.9% فيما وصل في المستوطنات إلى حوالي الضعف وهو 3.5%. ولا بد من الإشارة إلى أن تقرير جهاز الإحصاء المركزي «الإسرائيلي» لا يأخذ في الاعتبار أكثر من مئتي ألف من المستوطنين في القدس الشرقية ومحيطها لأنه يعتبر هذه المنطقة من ضمن أراضي «إسرائيل» بعد ضمها رسمياً في العام 1967.
وأشار جهاز الإحصاء المركزي الصهيوني إلى أن تعداد المستوطنين زاد في العام 2018 بمقدار 14400 مستوطن بينهم 8050 مستوطناً (حوالي 56%) انتقلوا أو ولدوا في مستوطنات «ربما على إسرائيل إخلائها بموجب اتفاق سلام قائم على حل الدولتين»، وفقاً لمبادرة جنيف المقترحة.
وكانت المستوطنات قد احتلت مؤخراً حيزاً مهمًّا في النقاشات السياسية بين «إسرائيل» وأغلب دول العالم بعد أن أعلن زعيم الليكود، نتنياهو، نيته الإعلان عن ضم غور الأردن والكثير من المستوطنات في الضفة الغربية ل «إسرائيل» إذا فاز في الانتخابات. واعتبر كثيرون إعلانه هذا محاولة لدفع أنصار اليمين المتطرف لتأييده وعدم تبديد أصواتهم في تأييد أحزاب يمينية أخرى.
وأشار التقرير الأخير الصادر عن «المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان» التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى أن المستوطنين ركزوا مؤخراً على الاستيطان في جنوب محافظة الخليل. وفي هذا السياق صادرت قوات الاحتلال 1500 دونم من أراضي مدينة دورا بقصد تحويلها إلى المستوطنين الذين أقاموا جنوب الخليل ما لا يقل عن ست بؤر استيطانية جديدة. وقد أقيمت هذه البؤر على أراضي بلدات دورا وبني نعيم ويطا والسموع والظاهرية وسعير على مقربة من مستوطنات قائمة هناك. وبيّن التقرير أنه في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنشأت سلطات الاحتلال 18 بؤرة استيطانية بعد أن أزاحت الإدارة الأمريكية تحفظاتها إزاء النشاط الاستيطاني.
وأوضح آخر تقرير أوروبي عن الاستيطان في الضفة الغربية، أن مشاريع إنشاء ما لا يقل عن 8500 وحدة استيطانية أنهت مراحل التخطيط والتنفيذ بينها 4647 وحدة في مستوطنات داخل الضفة الغربية المحتلة. وأنشأ الاحتلال مستوطنة جديدة في شمال الضفة مكان بؤرة استيطانية كانت تسمى «خريشا»، كما صادقت على خطة استيطانية في منطقة شرقي بيت لحم. غير أن أخطر خطط الاستيطان هي تلك العاملة على توسيع الاستيطان قرب مستوطنتي إفرات ومعاليه أدوميم. ومعروف أن هاتين المستوطنتين تقعان في موقعين استراتيجيين يقسمان الضفة الغربية إلى قسمين إحداهما تمنع أي تواصل بين شمال الضفة وجنوبها والأخرى بين غربها وشرقها. وتمنع هذه المستوطنات فعلياً أي تواصل جغرافي بين مناطق الضفة الغربية في حال قيام دولة فلسطينية عليها. كما صادقت حكومة الاحتلال على توسيع مستوطنة «ألون» قرب قرية الخان الأحمر في محيط القدس المهدد أهلها بالترحيل.
وتتذرع حكومة الاحتلال بالكثير من الذرائع لمصادرة أراضي الفلسطينيين وتقديمها للمستوطنين. وعدا الذرائع الأمنية التي كانت وراء مصادرة أراضٍ تم تسليمها لاحقاً للمستوطنين، هناك ذرائع البنية التحتية لإنشاء الطرق الالتفافية التي لا تخدم إلا المستوطنين وتشكل مظهراً من مظاهر فرض التفرقة العنصرية. ويبلغ عدد المستوطنات في الضفة الغربية 143 مستوطنة إضافة إلى 113 بؤرة استيطانية يجري تأهيلها للتحول إلى مستوطنات أكبر.
ومعروف أن «إسرائيل» تبني المستوطنات بتشجيع أمريكي رغم إدانة واضحة وقاطعة من الأسرة الدولية لهذه النشاطات. وكان مجلس الأمن الدولي قد اتخذ في العام 2016 قراراً يحمل الرقم 2334 يقضي بأن لا شرعية مطلقاً لإنشاء أي مستوطنة في الأراضي المحتلة العام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية التي اعترفت إدارة ترامب بأنها عاصمة للكيان.
وكان الاتحاد الأوروبي بين أشد الدول إدانة للمشاريع الاستيطانية ولإعلان نتنياهو نيته ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة. وأعلنت مبعوثة الاتحاد الأوروبي لعملية السلام سوزانا تريستال وجوب تحقيق سلام عادل عبر المفاوضات لحل الدولتين وفقاً لحدود يونيو(حزيران) عام 1967.
وفي الوقت نفسه وعلى هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة نددت منظمة الاشتراكية الدولية بمخططات الاحتلال الاستيطانية ونوايا ضم المستوطنات وأعلنت تأييدها إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
كما أيدت هذه المنظمة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة ودعت الأمم المتحدة لتنفيذ قراراتها بهذا الشأن.
ولكن ضعف الإرادة الدولية في جهة والدعم الأمريكي للكيان في جهة أخرى يشجعان «إسرائيل» على المضي قدماً في مشاريع الاستيطان. وقد بدا هذا الأمر واضحاً من خلال الضغط الأمريكي على مفوضة حقوق الإنسان الأممية بشأن تقرير نشر اللائحة السوداء للشركات المتعاملة مع المستوطنات.
فقد رفضت ميشيل باشيليه للمرة الثانية نشر هذه اللائحة متذرعة بأن التأخير يتصل ب«تعقيدات» المسألة و«حداثة» مهمتها. وكان مجلس حقوق الإنسان قد أقر إعلان لائحة سوداء بأسماء الشركات التي تتعامل مع المستوطنات والتي تظهر تقارير سابقة أن أغلبها شركات أمريكية و«إسرائيلية».
عموماً من الواضح أن تكثيف الاستيطان لم يخلق له أية شرعية دولية ولا حتى بعد الاعتراف الأمريكي بالمشاريع الاستيطانية، وهذا يدفع الفلسطينيين والعرب لتعميق نضالهم ضد الاستيطان والصهيونية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"