انتخابات المكسيك.. دلالات وتأثيرات مع واشنطن

02:30 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. صدفة محمد محمود *

في الأول من يوليو/ تموز 2018، فاز المرشح اليساري «أندريس مانويل لوبيز أوبرادور»، البالغ من العمر 64 عامًا، والمعروف باسم «أملو»، في الانتخابات التي شهدتها المكسيك؛ إذ حصد 53% من أصوات الناخبين، متقدماً بفارق كبير على أقرب منافسيه، وهو «ريكاردو أنايا» من حزب العمل الوطني (PAN)، الذي حصل على نحو 22%.
في حين جاء خوسيه أنطونيو ميد، من الحزب الثوري المؤسسي (PRI) الذي حكم المكسيك طوال معظم سنوات القرن الماضي، في المركز الثالث بنحو 16% من أصوات الناخبين. وقد سبق أن ترشح أوبرادور للرئاسة في عامي 2006 و2012، لكن لم يحالفه الحظ، كما شغل منصب عمدة مدينة مكسيكو خلال الفترة ما بين عامي 2000- 2005.
وشهدت المكسيك أكبر انتخابات في تاريخها، حيث جرى التنافس على أكثر من 3400 مقعد على مستوى المحليات والولايات، وعلى المستوى الفيدرالي، وإضافة إلى الرئيس، انتخب المكسيكيون، 128 عضواً في مجلس الشيوخ، و500 عضو في مجلس النواب المكسيكي. وقد فاز أوبرادور بأكبر هامش في سباق الرئاسة منذ تحولت البلاد إلى الديمقراطية قبل نحو 20 عاماً. كما حصد الائتلاف الذي ينتمي إليه رئيس المكسيك الجديد، بقيادة «الحركة من أجل التجديد الوطني»، أو «مورينا»، الذي تأسس في عام 2014، أغلبية المقاعد في الكونجرس، ما يرجح احتمال أن يمنحه تفويضاً واضحاً لتنفيذ السياسات التي يعتزم تطبيقها.

دلالات مهمة وتأثيرات محتملة

ليس من قبيل المبالغة القول إن لنتائج الانتخابات المكسيكية دلالات مهمة، كما أن لها انعكاسات كبيرة، ليس على المكسيك فقط، ولكن على أمريكا اللاتينية بأكملها. حيث جاءت نتائج الانتخابات بمرشح يساري على رأس ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، للمرة الأولى منذ عقود عدة، ما يرجح إحداث تغييرات هيكلية في الأوضاع السياسية والاقتصادية للمكسيك، وكذلك علاقاتها الخارجية، وفي مقدمتها العلاقات مع واشنطن.

العلاقات مع الولايات المتحدة

قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب إعلان النتائج بتهنئة نظيره المكسيكي، في محادثة هاتفية وصفت بالإيجابية، كما كتب ترامب على حسابه على تويتر «أتطلع بشدة للعمل مع رئيس المكسيك الجديد، وهناك الكثير من العمل الواجب القيام به لمصلحة الولايات المتحدة والمكسيك على حد سواء». من جانبه، أكد أوبرادور أنه يريد إقامة علاقات «صداقة وتعاون» مع الولايات المتحدة، عقب فوزه في الانتخابات.
هذه المحاولات الأولية للتقارب لا تنفي وجود تباينات كبيرة في مواقف الطرفين، فخلال حملته الانتخابية، كان اليسار الأكثر استغلالاً لممارسات الرئيس الأمريكي العدائية ضد المكسيك، في الحملات الانتخابية المختلفة. وفي هذا الإطار، أكد أوبرادور مراراً، رفض ممارسات ترامب، وقال: «لن نقبل مثل هذه المضايقات بعد الآن»، مشيراً إلى أنه حال فوزه سيتبنى سياسات أكثر حزماً مع الإدارة الأمريكية، وسيكون للمكسيك ردود مختلفة. ومن المتوقع أن يشوب العلاقات بين البلدين قدر من التوتر، في ظل التباين الكبير في وجهات النظر بشأن قضايا الهجرة، وبناء الجدار على الحدود بين البلدين، وكذلك اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «نافتا».

قضايا الجدار والهجرة

قاد أوبرادور خلال حملته الانتخابية مسيرة مناهضة للجدار الذي تعتزم واشنطن بناءه على الحدود بين البلدين، وقال أمام حشد من المؤيدين: «ليس بالجدران أو باستخدام القوة يتم حل المشكلات الاجتماعية والقضايا الأمنية، فهذه المشكلات يتم حلها بتحسين نوعية حياة الأفراد». ومع تبني ترامب سياسة «عدم التسامح»، فقد تعهد أوبرادور بحماية حقوق المهاجرين، واقترح الاهتمام بتحقيق التنمية الاقتصادية في أمريكا الوسطى لخلق المزيد من فرص العمل وتقليل الحاجة إلى الهجرة. كما انتقد أوبرادور سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخاصة بفصل الأسر المهاجرة على الحدود الأمريكية المكسيكية، ووصفها بأنها «متعجرفة وعنصرية وغير إنسانية».

قضايا التجارة والاقتصاد

تشغل قضايا التجارة والاقتصاد حيزاً كبيراً من العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث قامت الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية على وارداتها من الصلب والألومنيوم من المكسيك خلال الشهر الماضي. وقامت المكسيك (ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة) في المقابل، بفرض تعريفات على الصادرات الأمريكية، بما في ذلك لحم الخنزير، والتفاح، والجبن، بقيمة 3 مليارات دولار.
وفي ما يتعلق بإعادة التفاوض على اتفاقية نافتا التي مضى عليها 24 عاماً، ويهدد ترامب بإنهائها إذا لم تحم المصالح الأمريكية، فوفقاً لغرفة التجارة الأمريكية، فإن أكثر من 1.7 مليون وظيفة أمريكية تعتمد على التجارة مع المكسيك من خلال الاتفاقية.
وقد دافع أوبرادور عن الحصول على مزيد من الدعم للمزارعين الصغار في المكسيك، وانتقد الاتفاقية بشدة، ولكن بعد ضغوط كبيرة من قبل رجال الأعمال المكسيكيين، وافق على دعم إعادة التفاوض حول الاتفاقية بهدف تعظيم استفادة المكسيك منها، كما شكل أوبرادور فريقاً انتقالياً لإعادة التفاوض حول الاتفاقية.
وسوف يسعى أوبرادور إلى إقامة علاقة صداقة مع الولايات المتحدة، ولكن على أساس الاحترام المتبادل. كما سيعمل أوبرادور صاحب التوجهات القومية على الأرجح عن كثب مع الولايات المتحدة في بعض القضايا ذات الأولوية لبلاده. خاصة أنه من المقرر أن يزور وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» المكسيك الأسبوع المقبل للقاء أوبرادور ومناقشة قضايا الهجرة والتجارة والأمن والتنمية.

دعم تيار اليسار اللاتيني

أعرب زعماء تيار اليسار في أمريكا اللاتينية عن أملهم في أن يؤدي انتخاب أوبرادور إلى إحياء المد اليساري الذي يتراجع بصورة سريعة في المنطقة، حيث بشر رئيس حزب العمال البرازيلي باحتمال عودة الرياح التقدمية إلى أمريكا اللاتينية، وقالت الرئيسة البرازيلية السابقة «ديلما روسيف»: «إن فوز أوبرادور لن يكون انتصاراً للمكسيك فحسب، بل لكل أمريكا اللاتينية». وكتبت رئيسة الأرجنتين السابقة، «كريستينا كيرشنر» على تويتر: «يمثل أندريس مانويل لوبيز أوبرادور الأمل، ليس للمكسيك فحسب، بل للمنطقة بأسرها».

عقبات وتحديات كبيرة

من الواضح أن الغضب الشعبي من تدهور الأوضاع، وانتشار الفساد والجريمة يدفع أوبرادور إلى حد كبير إلى الاهتمام بالقضايا الداخلية، وسيكون ذلك قوة ضغط على الرئيس الجديد لاتخاذ موقف أقل تصالحية مع نظيره الأمريكي، خاصة أن حكومة المكسيك الحالية، بقيادة الرئيس «إنريكي بينيا نييتو»، عانت ضغوطاً كبيرة من قبل ترامب. وبصفة عامة، من المتوقع أن تتراجع المكسيك مع زعيمها الجديد عن الاهتمام بالتطورات الإقليمية التي لا تمس مصالحها المباشرة، ومنها الأوضاع في فنزويلا، ونيكاراجوا، وغيرهما، في ظل ضخامة حجم التحديات الداخلية التي تواجهها البلاد.
وعلى الرغم من أولوية العلاقات مع واشنطن، ما زال أوبرادور يواجه تحديات داخلية ضخمة، يأتي على رأسها القضاء على الفساد الذي تعهد بأن يكون المحور الرئيسي لعمله بمجرد أن يؤدي اليمين الدستورية في الأول من ديسمبر/ كانون الأول من هذا العام. إضافة إلى مشكلة الفقر، حيث يعيش نصف السكان تقريباً، تحت خط الفقر. ويعد العنف من أبرز التحديات التي تواجه أوبرادور، إذ بلغ معدل القتل في البلاد أعلى مستوياته على الإطلاق في العام الماضي، بمعدل 29 ألفاً، و168 حالة قتل، كما تعرض ما لا يقل عن 130 سياسياً، من بينهم 48 مرشحاً، للقتل الوحشي على يد عصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات منذ انطلاق الحملة الانتخابية في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وبصفة عامة يمكن القول إن الأيام المقبلة سوف تشهد إعادة صياغة العلاقات المكسيكية الأمريكية على أسس أكثر احتراماً وتوازناً.

* باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"