عن مرحلة وضع الدستور (2)

ذاكرة المكان
02:49 صباحا
قراءة 4 دقائق

من المتفق عليه أن دستور الدول الحديثة هو قانونها الأساسي الناظم لشؤونها كافة، وتستمد الدول من أحكامه المبادئ القانونية، وتنظيم أشكال الحكم، وتكوين السلطات، وحقوق المواطنين وواجباتهم .

وما من دستور إلا ويتضمن طابعه المميز، المعبر عن حاجات البلد وتطلعاته وأوضاعه وتجربته التاريخية والإنسانية، وتطوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي .

صحيح أن لفظ الدستور من أصل فارسي، لكنه أصبح متعارفاً عليه عربياً منذ زمن طويل .

وقد اختط دستور الإمارات نهج دساتير الدول الاتحادية، ولم يتخذ شكل المعاهدة بين الإمارات، وإنما جاء كقانون أساسي، يحقق وحدة المصالح المشتركة ضمن دولة الاتحاد، ويعبر عن الحاجة الملحة والأماني والطموحات لأبناء الإمارات .

من ناحية أخرى، يمكن القول إن بدايات التفكير بوضع دستور للإمارات العربية المتحدة، قد انطلقت منذ مراجعات واجتماعات واتفاقيات بدأت في فبراير ،1968 حينما أبرمت أبوظبي ودبي اتفاقاً للاتحاد بينهما، وبهذه الاتفاقية تم تحريك مياه الخليج الراكدة، إن على المستوى السياسي الاستراتيجي أو على مستوى الكيانية التي كانت في حالة عدم يقين وسيولة .

وحينما قرر المجلس الأعلى لاتحاد إمارات الخليج التسع في يوليو/ تموز ،1968 وضع مشروع ميثاق كامل دائم لهذا الاتحاد، تم ترشيح عبدالرزاق السنهوري الخبير القانوني المميز، وقد عرف في العالم العربي، ببسطة العلم والفقه الدستوري، كما شمل القرار أيضاً، أن يستعين السنهوري بخبيرين مساعدين له .

وبتكليف من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، سافر أحمد خليفة السويدي رئيس الديوان الأميري في ذلك الوقت، وبرفقته المستشار القانوني لإمارة أبوظبي صالح فرح، إلى القاهرة لمقابلة السنهوري وإبلاغه بقرار المجلس الأعلى للاتحاد، واقترح صالح فرح، اسم حسن الترابي (دكتوراه من السوربون) كمساعد للسنهوري، وأضاف الأخير اسم خبير قانوني مصري آخر يعمل في ليبيا، كمساعد ثانٍ له .

كما جرى الاتصال بالدكتور حسن الترابي، الذي سارع بالقيام بجولة واسعة في إمارات الخليج، حاملاً معه نحو 130 سؤالاً في الشؤون السياسية والمالية والاجتماعية . . إلخ، طالباً من كل إمارة الإجابة عنها، ويبدو أن معظم هذه الأسئلة كانت ذات طابع سياسي، وبعضها مثير للحرج .

وفي المحصلة، انتهت جولة الترابي، وأسئلته غير المجدية، وتم تجاوزها، بمعنى تجاهلها، وانتهاء مهمته كمساعد للخبير القانوني الأصلي السنهوري .

وعند هذه النقطة، تقررت دعوة السنهوري نفسه لزيارة إمارات الخليج التسع، للوقوف على شؤونها واحتياجاتها الدستورية، لكن مرضه حال دون ذلك، كما أدى استفحال حالته المرضية إلى إعفائه من هذه المهمة في مايو/ أيار ،1969 وبالتالي لم يقدم شيئاً له صلة بمشروع الميثاق - الدستور، وكذلك الأمر ينطبق على الخبيرين المساعدين الآخرين، هذه هي الحقيقة حتى لا يختلط علينا الأمر .

من ناحية أخرى، قرر المجلس الأعلى في الشهر نفسه، تشكيل لجنة خاصة من القانونيين والمستشارين، لوضع دستور مؤقت لهذا الاتحاد التساعي، بمعنى أن فكرة الميثاق الكامل والدائم تراجعت في الأذهان والخطاب، وصار الحديث حول دستور مؤقت، كما تمت الاستعانة بقانونيين واستشاريين في إمارات هذا الاتحاد المنشود، وتشكلت اللجنة الخاصة من ممثلين عن كل إمارة، وكان من بينهم حسين البحارنة البحرين وعدي البيطار دبي وصالح فرح أبوظبي وناجي جواد الفجيرة ويسري الدويك الشارقة وكمال الدجاني رأس الخيمة وجودت البرغوثي عجمان وزهير النجداوي قطر .

وقد طلب من هذه اللجنة إعداد مشروع الدستور المؤقت، وعرضه على خبير دستوري مصري يعمل مستشاراً قانونياً لحكومة الكويت، وهو الدكتور وحيد رأفت، لمراجعته وإبداء رأيه فيه، قبل عرضه على الإمارات التسع كافة، لمعرفة رؤيته حوله .

وهكذا حل وحيد رأفت مكان السنهوري، وحينما عرضت اللجنة الخاصة مشروعها، على الخبير وحيد رأفت انتهى إلى إبداء ملاحظاته على المشروع، وأعد مشروعاً آخر كبديل عن مشروع اللجنة، وكذلك فعلت قطر .

والمحصلة ثلاثة مشروعات للدستور المؤقت، ولوحظ أن الخبير وحيد رأفت اكتفى بالاطلاع على مشروع اللجنة أثناء عمله في الكويت، وإجازته الصيفية بالقاهرة، وقدم مشروعه الخاص إلى دواوين حكام الإمارات السبع، من خلال السفارة الكويتية بالقاهرة .

وفي أكتوبر/ تشرين الأول ،1969 قرر المجلس الأعلى في دورته المنعقدة في أبوظبي، تشكيل لجنة جديدة من المسؤولين والمستشارين القانونيين في الإمارات التسع، لمراجعة مسودة مشروع الدستور المؤقت، الذي أعدته اللجنة المشكلة في الدورة السابقة، وقد نجحت هذه اللجنة الجديدة في صياغة مشروع للدستور المؤقت ضم نحو 153 مادة وجاء المشروع وسطياً، ومراعياً للخصوصيات والأوضاع والتطلعات والأماني المرجوة من قيام هذا الاتحاد، ومحاولاً الاتساق في توزيع الصلاحيات بين الاتحاد والإمارات الخليجية المكونة له .

إن الجهود المبذولة، لصياغة الدستور المؤقت، لم تذهب كلها هباء، رغم أنها لم تتوصل إلى رأي جماعي حول عاصمة الاتحاد، والتصويت داخل المجلس الأعلى للحكام، ونسبة التمثيل في المجلس الاتحادي الاستشاري، ومنذ أكتوبر ،1970 حتى إعلان قطر والبحرين الاستقلال، فإن اختلاف الرؤى والمواقف تجاه بعض بنود الدستور، دفع السعودية والكويت إلى إيفاد وفد مشترك في يناير/ كانون الثاني ،1971 للمساعدة على تخطي العقبات أمام قيام الاتحاد، وكذلك فعل وليام لوس، إلا أن الأمور كانت تتسارع، والأحداث المفصلية تتوالى، وكان قد غاب الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر عن المشهد، والعرب مشغولون بأنفسهم، ولم يكتب للاتحاد التساعي أن يقوم .

وفي الشهور التالية، كانت الإمارات السبع تتداول شؤونها، وكان الدستور المؤقت لهذا الاتحاد السباعي، يعد على نار هادئة وبتوجيهات ورؤى المغفور لهما الشيخ زايد والشيخ راشد، وكان أحمد خليفة السويدي، ومهدي التاجر، يضعان اللمسات الأخيرة على الدستور المؤقت لدولة الإمارات العربية المتحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"