ضغوط العمل تسبب الاكتئاب الوظيفي

للمدير دور في تخفيفها أو تصعيدها
01:05 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: حصة سيف
تسبب ضغوط العمل واحباطات التعامل اليومي في مناخ المكتب نوعاً من الضيق وربما حالة من الحزن تخرج بالموظف عن مزاجه المعتاد، وربما لا يفرق البعض بين هم وظيفي وآخر معيشي، واختلطت الأفكار، وتأثر الإنتاج، ومن يصل لتلك المرحلة، يجد نفسه متراجعاً أمام الضغط النفسي، وإن لم يتدارك الأمر وينظم وقته ويرتب أولوياته سيؤثر ذلك في صحته هذا إن لم يصل التأثير إلى أسرته ومحيطه .
ويطلق البعض على هذه الحالة الاكتئاب الوظيفي، وتصيب المجتهدين ومن لا يستطيع مجاراة نشاطه بإنجاز المهام المتوالية على رأسه، وهنا تلعب بيئة العمل دوراً أساسياً في التخفيف عن الموظف وإرشاده للطريق الصحيح، أو تزيد معاناته إلى أن نفقده صوابه، ما ينعكس على الشخص ومن حوله من المتعاملين معه .
يلعب الرئيس ومسؤول العمل دوراً كبيراً في حل تلك المشكلة بملاحظة أداء موظفيه والاستماع لاقتراحاتهم، فإذا كان على قدر من المسؤولية والمبادرة لحل تلك المشكلات التي تعترض طريق الموظفين استقام أداء المؤسسة، وإن كان متزمتاً ربما تراجع أداء موظفيه وبالتالي تناقص الناتج العام .
"الخليج" تعرض بعضاً من الحالات التي كاد أن يصيبها "الاكتئاب الوظفي"، وكيف تعاملت معه، ونصائح المجربين .
تقول مرشم الشحي: "أعمل منذ 3 سنوات، وكنت في بداية عملي كتلة من النشاط والاندفاع ولم أشعر أبداً بالضجر أو حتى ضغط العمل، ولكن فجأة وبتراكم المهام والمسؤوليات وافتقار بيئة العمل لأقل معايير الراحة كدت أنفجر، ولاحظ الجميع ومن بينهم رؤسائي في العمل قلة إنتاجيتي وعدم تركيزي في العمل، وكنت في حالة سيئة لم أتخيل أنني سأخرج منها يوماً من دون تقديم استقالتي، إلا أن التزاماتي المالية كانت لي بالمرصاد، وفي الوقت نفسه لم تسمح لي الإدارة بإجازة قصيرة، لعدم وجود بديل يقوم بمسؤولياتي" . وأضافت: "حينها لم أدر ماذا أفعل لأتخلص من تلك الضغوط، كنت بالكاد أنام ساعتين من فرط التفكير، حيث تتراءى لي وأنا خارج العمل، شاشة الحاسب الآلي والمعاملات تزداد فيها، من دون أن يؤثر عملي في تقليل أعدادها، كما كنت مجبرة على الحضور وقت إجازتي لأكمل إنجاز المعاملات، ومرات عدة قمت باستكمال مهامي في المنزل، ولكن في تلك المرحلة لم أكن أتحمل أن يذكر لي أحد أي شيء يتعلق بالعمل، حصلت على إجازة مرضية لمدة أسبوع قابلت فيها أحد الأطباء الذي منحني إجازة مرضية، ونصحني بتغيير مقر سكني، فانتقلت مع أخي لمدة 54 يوماً كإجازة سنوية تشمل الإجازة المرضية" .
وتكمل: "بعد انقضاء الإجازة، تغيرت نظرتي للعمل تماماً، وعملت بنصيحة الطبيب بتقسيم أوقاتي، التي كانت مخصصة بالكامل للعمل، لدرجة أنني مسحت كافة أنواع الرسائل بيني وبين صديقاتي في وسائل التواصل الاجتماعي كي أتفرغ للعمل، واكتفيت بمحادثة أفراد أسرتي فقط، إلى أن تلك الحالة زالت ولله الحمد، وعاد تواصلي مع الجميع، كما أن نظرتي للعمل اختلفت وللمشكلة ذاتها على الأخص، إذ كنت أعطي للعمل أكثر من حجمه الحقيقي، وبفضل الله تعالى واتباعي لنصيحة الطبيب، ومن ثم أتاح تواصلي مع صديقاتي اللواتي عرضن تجربتهن مع العمل، المقارنة مع وضعي وأيقنت أن هذه الضغوط واحدة في كل الوظائف إلا أنها تختلف من حيث نظرتنا لها .
أكدت عائشة درويش مديرة إدارة الهندسة والمباني في بلدية رأس الخيمة، إن إدارتها استقبلت العام المنصرم 80 ألف معاملة، فيما استقبلت العام الأسبق 20 ألف معاملة أي أكثر من 5 أضعاف العمل، تقول: "مع هذا استطعنا أن ننجز رغم الحاجة إلى 4 أضعاف الموظفين حتى تستطيع الإدارة الاستمرار بالنهج نفسه من مستوى الأداء، ركزت طوال العام على تحفيز الموظفين وتوفير بيئة عمل أكثر جاذبية، وتوثيق العلاقات بين الموظفين كأسرة واحدة" .
وتضيف: "انتهجت أساليب عدة لتحفيز الموظفين في الإدارة، قمت بإجراء استبيان شهري بحيث يحصل أحد الموظفين على جائزة، ويكون الفوز عن طريق نتائج الاستبيانات أي من الموظفين أنفسهم، حتى يشعر بفرحة أكبر حين يقدر الجميع أعماله، وليس مديره فقط، كما علقنا لوحة الشرف التي توضع بها صور الفائزين وأصحاب المبادرات الاستثنائية، وعملت على تدوير الموظفين، حتى لا يشعرون بالروتين والملل من العمل ذاته، وكي تزداد خبراتهم، لنصل إلى الموظف الشامل القادر على الاستجابة إلى جميع متطلبات العمل .
وتوضح درويش أن تركيزها على الإيجابية وتحفيز الموظفين والتدوير، ساعدها على تخطي التحديات الموجودة في بيئة العمل، حيث إن الشعور بإيجابية نحو الحياة والعمل أكبر إنجاز يحققه المرء في حياته تقول: "أكملت حالياً 5 سنوات كمديرة إدارة، وكل عام تزداد التحديات إلا أننا نرفع شعورنا بالمسؤولية معها ويكبر أملنا بالله تعالى بأن القادم أجمل . وتضيف: "استلهمت الإيجابية من الشخصيات المحيطة، إذ تدفعني إلى الأمام دائماً رغم الصعوبات التي تعترضني، وأحاول قدر الإمكان ألا أفارق القراءة، وأطور من ذاتي" .
ناهدة محمد سعيد العوضي اختصاصية جودة في برنامج الشيخ صقر للتميز الحكومي، أشارت إلى ضرورة تغيير روتين العمل اليومي وترتيب الأولويات من الأهم إلى المهم، وفهم طبيعة العمل، كي لا يشعر الموظف باكتئاب وظيفي، ومن المهم متابعة العمل من قبل المسؤول الأعلى ومناقشة الموظف في أدائه، فمثلاً عدد المعاملات المستلمة والمنجزة وتواريخ استلامها والانتهاء منها، يعكس طبيعة الأداء وتقييم العمل بشكل دوري، وحول دور البرنامج حالياً قالت العوضي إنه يركز على الخطة الاستراتيجية وكيفية ربط خطة الدائرة مع خطة الإمارة والدولة بشكل عام، كما تهتم الإدارة بالنتائج والمتسوق السري وكيفية تفعيل الحكومة الذكية والتطوير القيادي وتطوير المواهب، ودعم الشراكة بين الجهات الحكومية، وتعزيز المشاركات في الجوائز الإقليمية والعالمية فيما يخص العمل الإداري الحكومي، موضحة أن كل تلك البرامج تسعى إلى تطوير العمل الحكومي ومنصبة بشكل أساسي على الموظف وأدائه .
يقول عمر الكعبي مدرب معتمد في التنمية البشرية: "هناك من يشعر في بعض الأحيان بالضيق إزاء ذهابه للعمل كل يوم، بل ينتابه شعور الكره لوظيفته، إلا أنه في الوقت ذاته لا يستطيع تركها، وأنصح الموظف في تلك الحالة بألا يجعل شعور الاكتئاب بأن يتفاقم، فأنت تقضي ثلث ساعات يومك في الوظيفة، لأن من طبيعة الاكتئاب التسلل إلى النفس بهدوء، حتى تُفاجأ بأنك وقعت في شراكه ولا تستطيع الفكاك منه، ويستنزف طاقتك البدنية والذهنية ويعرضك للمخاطر، حيث أفادت منظمة الصحة العالمية بأن الاكتئاب سيكون السبب الثاني للوفاة بحلول عام 2020" .
وأشار الكعبي إلى أن كثيراً ما يتعرض الموظفون أثناء عملهم إلى الضغوط النفسية نتيجة الروتين اليومي، إضافة إلى الكم الكبير من العمل الذي يلقى على أكتافهم، خاصة عندما تتراكم عليهم بعض المهام، فتؤدي إلى إصابتهم في النهاية بالاكتئاب، وهذه الضغوط النفسية غالباً ما تجد طريقها إلى الموظف نتيجة ضغوط العمل، والمشكلات التي يواجهها في حياته الأسرية ما يؤدي به في النهاية إلى شعوره بحالة مزاجية سيئة، وبالتالي يفتقد الدافع للعمل، ما يترتب عليه فقدان الاهتمام والاستمتاع بحياته الشخصية والاجتماعية، كما تظهر عليه بعض علامات قلة التركيز وعدم الانتباه لمن حوله أو لعمله" .
ويضيف الكعبي: "تخطي هذا النوع من الاكتئاب يمكن باتباع حلول عدة منها، محاولة الحصول على إجازة لمدة يوم أو يومين كلّما شعرت بأنّ الاكتئاب والتوتر تخطّيا الحدود، والذهاب في نزهة جميلة، وعلى سبيل المثال يعتبر الشاطئ مكاناً رائعاً للاسترخاء، ويُفضل أن تكون النزهة مرة في الأسبوع والمشي في الهواء الطلق لمدة 10 دقائق يومياً بعد الانتهاء من الدوام" .
ويمكن أن تستغل فترة عطلتك السنوية في السفر إلى خارج البلاد مع عائلتك .
كما يمكن استشارة ذوي الخبرة بالمشكلات والضغوط العملية التي تواجهها، فهذا الأمر يشكّل وسيلة جيدة لتخفيف الاكتئاب، وأن يحرص الموظف على الحصول على ساعات كافية من النوم، ما يجعله يستيقظ بكل راحة في الصباح قبل الذهاب إلى العمل ولابد من ممارسة هواياتك المفضلة خلال عطلة نهاية الأسبوع .
ولو راجع الموظف في نهاية اليوم الإنجازات التي قام بها يفيده ذلك، فهذه الطريقة تعطيه المزيد من الاسترخاء . ونصيحة أخيرة لا تعط كل وقتك للعمل على حساب أسرتك وحياتك الشخصية، الأمر الذي قد يترك أيضاً أثراً سلبياً في نفسك .
وأوضح الكعبي أن إحدى الدراسات البريطانية الحديثة أشارت إلى أن ضغوط العمل أثّرت أيضاً في الشركات، كونها دفعت 19 في المئة من موظفيها إلى الحصول على إجازات مرضية طويلة لعدم قدرتهم على التكيف مع متطلبات وظائفهم، ودفعت 9 في المئة للاستقالة، و25 في المئة للتفكير على نحو جدي بترك وظائفهم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"