المخرجون الشباب يعلّقون أحلامهم في محطة الانتظار

يقولون إن الفرص الحقيقية لا تأتيهم والبعض يتهمهم بـ "التخاذل"
05:20 صباحا
قراءة 9 دقائق
قد يكون الجمع ما بين الحلم والواقع في معادلة حياتية متوازنة، من أصعب التحديات التي يواجهها الشباب بعد التخرج في الجامعة، خاصة في مجال السينما والتلفزيون، وفي المهرجانات السينمائية نجد قلوباً شابة تنبض بالحلم بانتظار الفرصة الحقيقية لتعلن عن نفسها من خلال الجهد الذي بذلته لصناعة هذا الفيلم القصير الذي يختزل شغفها بالسينما وتطلعاتها إلى إثبات بصمتها في العالم من خلال هذا العنوان القصير . شابات وشبان إماراتيون يحاولون إثبات جدارتهم بالانضمام إلى عالم الفن والدراما، حاملين الكثير من الأفكار والرؤى الواعدة بانتظار الفرصة، فهل المشكلة في أن الفرص قليلة في الإمارات؟ أم أن أحلام الشباب تصطدم بمعوقات وصعوبة تنفيذ؟

في هذا التحقيق نطرح القضية وما يقوله المخرجون الشباب، لكننا نفاجأ ببعض الردود الآتية من أصحاب الخبرة، الذين يؤكدون أن الفرص موجودة لكن الشباب يلجأ في الأغلب إلى الاستسهال وصناعة أفلام قصيرة لا تتعدى الفيديو. والمزيد من الآراء في التحقيق التالي .

يؤكد المخرج السينمائي الشاب خالد العبدالله أهمية التمييز ما بين المخرج التلفزيوني والمخرج السينمائي، فالتخصص يلعب دوراً مهماً في تحديد الاتجاه، ويقول: عن نفسي أدركت منذ البداية أن ما أريده هو أن أبدع بالإخراج السينمائي، وقد حصلت على العديد من الجوائز خلال فترة دراستي الجامعية منها 3 جوائز من حبيب الرضا، وجائزة أفضل مخرج صاعد في مهرجان جامعة زايد، وجائزة أفضل مصمم ملابس في أراب فيلم ستديو#171;، وبعدها حصلت على جائزة التميز لأفضل فيلم، بعد التخرج قمت بتصوير خمسة أفلام، الثلاثة الأولى منها كانت على حسابي، والفيلمان الأخيران كان أحدهما بالتعاون مع الفنان ياسر حبيب، والآخر كان بالتعاون مع شركة إيمغنيشن#171;، وقد حصلت على رعاية للفيلم من خلال مسابقة .

ويضيف خالد: أعمل حالياً في الإعلانات (فري لانس) فأنا أعمل كموديل أحياناً أو أقدم أفكاراً للإعلانات وأقوم بتصويرها بمعداتي البسيطة، ولست مرتبطاً بعمل مع شركة أو جهة ما، وأقوم بتصوير أفلامي على حسابي عادة، علماً أن الإخراج التلفزيوني بعيد عني وقد جربت أن أقوم بتصوير برنامج لكنني لم أشعر بأن العمل يشبهني حقيقة، والسينما للأسف لا تعتبر مصدر دخل جيد في الإمارات، فليس هناك دخل ثابت أعتمد عليه في حياتي، لذا قررت أن أبحث عن عمل يؤمن حياتي وأنظر إلى عملي كمخرج سينمائي على أنه مجرد هواية إلى أن أستطيع تأمين حياتي ومستقبلي أو يتحسن وضع السينما في الإمارات، ومع هذا مازلت بيني وبين نفسي أنتظر الحصول على فرصة حقيقية تبقيني قريباً من السينما .

تحدثنا عائشة عبدالله عن مشكلتها قائلة: تخرجت قبل عامين في جامعة الإمارات، تخصص اتصال جماهيري إذاعة وتلفزيون، وكنت قد حصلت على عدة جوائز للأفلام القصيرة في الجامعة قبل التخرج، أما بعده فشاركت في مهرجان الخليج الذي أقيم في دبي عام ،2011 بفيلم عنوانه بداية . . نهايةوهو من فكرة المخرج والكاتب الإماراتي أحمد زين، وقد دعمتني شركة ظبي الخليج في إنتاج الفيلم حيث قامت برعايته، وصورت الفيلم بطريقة الظل، وهو يتحدث عن طبيعة الانسان منذ الولادة حتى الموت، مدته 3 دقائق . وحصلت عنه على جائزة المخرجة الواعدة في المهرجان، وكانت الجائزة عبارة عن منحة لدراسة الإخراج السينمائي في نيويورك فيلم أكاديمي#171;، حيث أتابع الدراسة حالياً، وأخطط لأن أكمل وأدرس الماجستير في الإخراج السينمائي، ولكن مشكلتي الحالية تكمن في الحصول على الدخل المادي، أو في الحصول على وظيفة في مجال اختصاصي كإعلامية، وقد تقدمت بطلب التوظيف والسيرة الذاتية لكل المؤسسات الإعلامية من دون جدوى، وأنا ألاحقهم بالاتصال والسؤال فيردون علي بأنه لا يوجد لديهم شواغر، أو لا توجد ميزانية .

أما المخرج ياسر النيادي فينظر للموضوع من زاوية مختلفة، ويقول: الوصول إلى النجاح وكسب ثقة الوسط الفني يحتاج إلى الجهد والصبر، وعادة تكون البدايات صعبة بالنسبة لأي مجال، وبالنسبة لي كانت الصعوبة تتمثل في أن أصنع فيلماً مع كل الظروف التي تحيط بي كمبتدئ، وكنت بحاجة إلى الدعم المادي والتدريب الفني، والأهم أن أحظى بثقة شركات الإنتاج الفني التي ستدعمني .

ويضيف: أعتقد أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الشاب يصبح أسيراً للعمل الفني، وأسيراً لحلمه وفي الوقت نفسه يصطدم بالواقع بأن عليه أن يعمل وأن يكون موظفاً ربما ليؤمن الاستقرار المادي ويلبي مستلزماته الحياتية، ولكن الوظيفة قد تقف عائقاً بينه وبين حلمه فتلزمه بالوقت والدوام، وهذا لا يتناسب مع طبيعة العمل السينمائي الذي يحتاج إلى التفرغ عادة، وأنا أرى أن على الشاب أن يحاول أن يكون متوازناً ويعرف كيف يدير أموره، فالصراع بين الحاجة للمال وبين الرغبة في الفن موجود لدى أغلبية الشبان، وقد نضطر إلى أن نستدين أحياناً كي نصرف على أفلامنا التي نشارك بها في المهرجانات، مع أننا لم نصل بعد إلى مرحلة جني الأرباح من الأفلام بالنسبة إلى السينما الإماراتية عموماً، ولكننا نعمل لإرضاء الشغف الفني بداخلنا .

يشير محمد المري، مخرج تلفزيوني، إلى أنه يرى أن الفرص كثيرة ومتوافرة في دولة الإمارات ويقول: شاركت في ستة مهرجانات سينمائية خلال ثلاث سنوات، وهذا يفتح أمامي الكثير من الأبواب إن كنت مبدعاً فسوف أصل إلى إثبات ذاتي، ولكن المشكلة تكمن في أن السينما الإماراتية تحتاج إلى الكثير لتصل إلى الاحترافية، فلسنا مهيئين بعد لصناعة الأفلام الطويلة التي تعرض في دور السينما، وأعتقد أن هذا ما يحلم به كل مخرج سينمائي إماراتي، فالسينما المحلية من وجهة نظري تحتاج أولاً إلى كتّاب محترفين في كتابة الفيلم السينمائي وإلى ممول وإلى دار عرض تقبل بعرض فيلم لن يُدخل لها الكثير من الأرباح، ومع هذا أقول إن طموحي كالكثير من الموهوبين ومحبي السينما الإماراتيين أن يكون لدينا قاعدة إنتاج سينمائي، وأن نصل إلى مرحلة الاحترافية في هذا المجال الذي نحب، أما بالنسبة للعمل فليس من الصواب أن أنتظر أن أكون مخرجاً من خلال تجاربي البسيطة بالنسبة للدراما، ولابد أن أصعد السلم بالتدريج .

في المقابل، هناك من ابتعد عن الإخراج و عن أحلامه التي اختفت بالتدريج، بعد أن ارتطم بالواقع بعد التخرج، مثل حفصة إبراهيم المطوع، التي تقول إن آخر فيلم قامت بإخراجه كان قبل التخرج، وبعدها لم تتح لها الفرصة لتمارس مهنتها أو هوايتها التي تحب، حيث أصبح مجال عملها بعيداً عن مجال اختصاصها وعن ميولها، وتكمل: حاولت كثيراً أنا وصديقاتي أن نعمل في مجال الإعلام لنبقى قريبات من مجال تخصصنا، وكنا خمس عشرة طالبة، لم تحظ واحدة منا بفرصة عمل في الإعلام للأسف، وهذا جعلنا نبحث عن العمل بعيداً عن اختصاصنا وبالتالي ننخرط في حياة مختلفة لا تشبه أحلامنا، فأنا مثلاً عملت في شركة إنتاج مصممة غرافيك لأربع سنوات، وهذا أبقاني بعيدة عن الإخراج بسبب ضيق الوقت، وصديقاتي مثلي .

وعن سبب استبعادهن من العمل الإعلامي، وعدم إتاحة الفرصة لهن ليسلكن طريق الإخراج الدرامي تقول حفصة، هناك أزمة ثقة بالكوادر الشابة، وخصوصاً بالنسبة للفتيات، وأنا أرى أن على الجهات المسؤولة أن تفتح الأبواب لهذه الفئات لأنها هي التي تملك الحماسة والرغبة في التغيير . وتضيف: أنا حزينة حقاً بسبب حال الدراما الإماراتية لأنها لم ترتق بنفسها لسنوات طويلة، وأحلم يوماً أن تسنح لي الفرصة لأقدم صورة جميلة عن الدراما الخليجية تحترم عقل المشاهد وتراعي التطور الدرامي الذي تشهده النماذج الأخرى .

ماذا يقول أهل الاختصاص والفن حول تجارب الشباب؟

يقول المخرج السوري عارف الطويل إن على شركات الإنتاج أن تدعم الخريجين الجدد، خصوصاً المبدعين منهم الذين قاموا بإنتاج أفلام وحصدوا جوائز في المهرجانات السينمائية، لأن هؤلاء الشباب يعتبرون بذرة إبداع تحتاج إلى الدعم والرعاية لتقدم الكثير، وعلى المنتجين أن يستقطبوا هذه الفئات لأنها هي الأساس الذي ستقوم عليه الدراما مستقبلاً، خصوصاً أن الدراما الإماراتية بحاجة إلى روح الشباب وأفكارهم، وأظن أن التلفزيونات الوطنية معنية أيضاً بدعم هؤلاء الشبان والشابات من خلال عرض أفلامهم القصيرة، ومن خلال تبني مشاريعهم الدرامية ولو كانت عبارة عن ثلاثيات تلفزيونية في البداية، فهي تعتبر الأساس الذي يبني عليه هذا الشاب خبرته الإخراجية ويتعرف إلى مفردات هذه المهنة جيداً، كما تدفعه لخوض تجربة أكبر في ما بعد .

ويضيف الطويل: ليس لدي خلفية عن وجهة نظر الشركات الأخرى بالنسبة لموضوع دعم الشباب الجدد ومنحهم الفرصة، ولكن بالنسبة لشركة ظبيانالتي أعمل بها، فهناك تجربة جيدة مع شاب قام بإخراج فيلمين قصيرين وقامت الشركة بدعمه وتشجيعه ليبدأ بالتفكير في الدخول إلى عالم الدراما، كونه الأقرب إلى فهم خطوطها ومفرداتها فهو ابن هذه البيئة، وقد أسهم مؤخراً في كتابة بعض النصوص الدرامية للشركة، كما رافقني في أحد الأعمال كمخرج مساعد وكان مسؤولاً عن مراقبة مفردات البيئة، إضافة إلى التدقيق في اللهجة كون العمل باللهجة الإماراتية القديمة .

ويكمل عارف الطويل: أعتقد أن على الدولة أن تسهم في تشجيع ودعم هذه الفئات، وتقوم بتوجيه شركات الإنتاج الخاصة، والتلفزيونات الوطنية لتساندهم .

أما المنتج والممثل الإماراتي سلطان النيادي صاحب شركة ظبيان للإنتاج الفني#171;، فهو يرى أن على هؤلاء الشبان أن يدعموا أنفسهم أولاً ليجدوا الدعم والمساندة، ويحدثنا عن تجربته في التحكيم في المهرجانات السينمائية قائلاً: كنت في فترة من الفترات عضواً في لجنة تحكيم أحد المهرجانات، وأعتقد أن فيلماً سينمائياً مدته خمس دقائق وربما أقل، غير كاف ليظهر تجربة المخرج وموهبته، فأنا أحتاج إلى عمل مدته نصف ساعة على الأقل لأرصد تجربته والخبرات التي يمتلكها .

ويضيف: من قال إنهم لا يحصلون على الفرصة؟ فالأبواب أمام هؤلاء الشبان مفتوحة وجميع الجهات والمؤسسات تعتني بهم وتنتظرهم أن يقدموا أنفسهم كمخرجين حقيقيين، فالمهرجانات السينمائية تعتبر فرصة حقيقية لهم، ليقدموا أفكارهم وأعمالهم وليقدموا أنفسهم إلى الحضور ويتعرفوا إلى أصحاب شركات الإنتاج، وهذا ليس عيباً فالإنسان المبدع يكون متواضعاً ويسعى خلف تحقيق هدفه، ولكن يبدو أن هؤلاء الشبان ينتظرون من شركات الإنتاج أن تكتشفهم وتسعى خلفهم، وهذا التفكير غير منطقي، فعلى كل إنسان أن يسعى هو ليدعم نفسه أولاً، وأنا أقولها بصدق، أبواب شركات الإنتاج مفتوحة أمامهم ولكن عليهم أن يطرقوها بأنفسهم .

ويكمل النيادي: هناك جزئية لابد من توضيحها، وهي أنه لا يمكنني أن أعتمد على الشاب الذي تتلخص تجربته الفنية بعدة أفلام قصيرة كي يخرج مسلسلاً درامياً بالكامل، هذا الأمر غير مقبول، ويجب على المخرجين المبتدئين أن يدركوا أن عليهم أن يتدربوا ويعملوا كمساعدين مخرجين، ومخرجين منفذين إلى أن يمتلكوا الخبرة الحقيقية والعملية التي يحتاج إليها إخراج العمل الدرامي .

الفنان الإماراتي الدكتور حبيب غلوم الذي يشغل منصب مدير إدارة الأنشطة الثقافية والمجتمعية في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع يقول: هناك محاولات للوزارة لجذب هؤلاء الشبان والفتيات لإرسال بعثات متخصصة بالتعاون مع وزارة التعليم العالي، وقد أعلنت الوزارة عن استعدادها وتشجيعها لدعم الشبان والشابات الموهوبين، ولكن لم يستجب أحد للدعوة، ونحن في الحقيقة نحتاج إلى هؤلاء الشبان ولا نتردد في دعمهم، وهنا يجب أن أوضح فكرة مهمة، وهي أنه لا يوجد معاهد أكاديمية متخصصة في الإمارات تخرج سينمائيين مبدعين، والمعاهد الموجودة لا تعدو كونها مؤسسات تجارية والواقع يشهد بهذا، فهي لم تخرج أي اسم مبدع أو لامع على مر السنوات الماضية، ونتمنى أن نرى هذا في المستقبل، ولكنني مع هذا أقول إن الدراسة الأكاديمية المتخصصة التي نحتاج إليها لصناعة السينما غير موجودة حقيقة في الإمارات، وأغلب الشبان يدرسون ربما في كليات الإعلام أو غيرها، وتكون هذه المواد مساعدة في دراستهم ولا يمكن الاعتماد عليها لصناعة مخرجين وسينمائيين متمرسين، ولهذا كنا نسعى لإرسال هذه البعثات لأن صناعة المخرج السينمائي ليست بالأمر السهل، ولأننا حقاً بحاجة إلى الكوادر الشابة .

ويتابع غلوم: هناك شقان للموضوع، الأول وهو أن الفن في الإمارات حتى الآن يعتمد على الجهود الذاتية، فليس هناك جهات ترعى الفن إلا بدعم خجول، وهذا الدعم في مجال السينما لا يصل إلى مكان للأسف، لأن السينما صناعة ضخمة، وتحتاج إلى دعم كبير لتصل إلى مكان ما والنوايا الطيبة لا تخلق الإبداع، أما الشق الآخر، فيتمثل في أن الشباب يجب أن يهتموا أكثر بالتخصص، ويكونوا محترفين حقاً، فالفن مهنة تحتاج إلى الخبرة والإتقان، والموهبة وحدها لا تكفي، لذلك عليهم أن يدركوا أن الدراسة المتخصصة هي ما يحتاجون إليه، وأنا عن نفسي أتمنى أن يأتي طالب ويخبرني بأنه يريد أن يدرس السينما .

ويضيف: المشكلة أن الشبان يعتقدون أن ما يقومون به هو عمل سينمائي، ولكن في الواقع كلها أعمال فيديو والأعمال السينمائية التي نفذت في الإمارات تعد على أصابع اليد الواحدة ومنها عقابودار الحيوعملان لنواف الجناحي الأول ذي شادووالثاني بعنوان الدائرة وما عدا ذلك كلها أفلام فيديو .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"